الاعتكاف من شهر رمضان سنة لرسول الإسلام

الإسراء والمعراج
4 أبريل, 2021
سياسة معادية ضد المسلمين
6 يونيو, 2021

الاعتكاف من شهر رمضان سنة لرسول الإسلام

الاعتكاف في العشرة الأخيرة من شهر رمضان سنة لرسول الإسلام صلى الله عليه وسلم، واتبعه فيها المؤمنون الصالحون من أمته في أزمانهم المختلفة، ولا يزال يقوم عدد منهم بأدائه،وقد قام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالاعتكاف في مسجده الكريم في العشرة الأخيرة من شهر رمضان، وكان يواظب عليه كل سنة فسنّ لشهر رمضان سنة الاعتكاف فيتبعه في ذلك عدد كبير من المسلمين، يوفرون بذلك وقتهم لتلاوة كلام الله ولذكره وللصلوات، وينقطعون إلى ذلك طيلة الأيام العشرة، وذلك لأنه لا يسعهم ذلك بغير هذا الانقطاع في أحوالهم العامة التي يقضون فيها أوقاتهم في منازلهم وبين أهليهم، ويساعدهم في هذا العمل الجليل قيامهم بأداء الصوم الذي هو فريضة عليهم وركن من الأركان الخمسة الأساسية في الإسلام، يتركون فيه الطعام والشراب والأعمال القبيحة من الكذب والغيبة والنميمة وغيرها، وبذلك يحصل لهم صفاء في النفس، وإنابة إلى الله والشعور بالمؤاساة، وذلك يساعد كثيراً في أداء سنة الاعتكاف، ويتلاءم مع روح العبودية والنسك التي تحصل بالتلاوة والعبادة وذكر الله تعالى.

ومن هذه الناحية نرى هذه المدة من الزمن كمخيم زمني للعبادة يقضي المسلم فيه ما يسعه من بذل وقته فيما يطلب به رضا الله تعالى، فجو شهر الصيام جو يساعد في ذلك خير المساعدة، وذلك لأن القيود التي يفرضها الصوم على صاحبه لا تخرج عن نطاق التربية الحكيمة للنفس وتزكيتها، والإنسان الذي يتقيد بها إلى أكبر حد ممكن يرى آثار التزكية والطهارة في قلبه، والصفاء في نفسه، وذلك لأن الراحة النفسية والطمأنينة الداخلية للإنسان تقتضي لوجودها رياضة روحية وتربية للنفس، وذلك باختيار الزهد عن بعض رغائبه، والابتعاد عن بعض ملذاته، والهجر لبعض عوائده لمدة من الزمن ووقت محدد، وهو أيام شهر رمضان التي هي خير نظام لذلك، يقضي صاحبه مدة شهر كامل في ذلك، وسنة الاعتكاف هي في القمة من هذا النظام حيث يحصر الإنسان فيه نفسه في مكان واحد للعبادة، فينقطع فيه عن أهله وبيئته المباشرة بمعيشته، فيكون اتجاهه إلى ربه خالصاً ومتواصلاً لمدة عقد واحد في هذا الشهر الكريم، وهذا العقد يعد من خير أيام رمضان لأنه يشتمل على ليلة جليلة تساوي ألف شهر في خصائصها وقيمتها الروحية، كما أن كتاب الله العظيم نزل فيه فزاد هذه الليلة والشهر الذي تقع فيه شرفاً وعظمة، فقد قال الله تعالى: ]إنا أنزلناه في ليلة القدر، وما أدراك ما ليلة القدر، ليلة القدر خير من ألف شهر، تنـزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر سلام، هي حتى مطلع الفجر[. ويكون الصائم في هذه الليلة في اعتكافه فينهل من روحانية هذه الليلة، ويقتبس من نورها بدون حائل، تقع هذه الليلة من بين ليالي الوتر من هذه العشرة الأخيرة، وتصبح العشرة الأخيرة من شهر رمضان بذلك مهرجاناً روحياً ممتعاً، وتزدان المساجد بتواجد المعتكفين فيها وبأعمال العبادة وذكر الله التي يتوفر وقوعها فيها، ولما كان شهر رمضان نفسه مهرجاناً للعبادة والذكر فإن الاعتكاف يصبح فيه مهرجاناً في مهرجان يزداد به رونق شهر الصيام، ويكثر بهاؤه، وتفوح منه روائح الخير الرباني، وعبق الفيض الروحانى ويصبح ذلك زاداً إيمانياً وروحانياً يتزود به الصائم لأيامه الأخرى طيلة السنة من رمضانه الحالي إلى رمضانه القابل.

(محمد الرابع الحسني الندوي)

×