نحن المسلمين بين الأمس واليوم! (2)
13 أبريل, 2020الإنسان بين الشكر والكفر (2)
28 يونيو, 2020الإنسان بين الشكر والكفر (1)
إذا فتشنا عن الأوضاع الفردية والاجتماعية التي نعيشها نحن المسلمين اليوم، وقمنا بموازنتها بتعاليم الدين الإسلامي الشرعية التي سماها الله سبحانه بالدين القيم، وبشر العالم البشري بكماله، وقرره نعمة تامة إلى آخر لمحات الحياة، وإلى مدة بقاء العالم، إذا قمنا بمهمة الموازنة بين أحوالنا وأعمالنا بأمانة وصدق، أدركنا أن حياتنا الطبيعية تدهورت لآخر درجة ولم يعد فيها من الأخلاق العالية والصفات الإنسانية العالمية ما كان زينة التاريخ الإنساني في الماضي، ونموذجاً للعالم الإنساني في كافة أجزاء الحياة.
إن هذا الواقع الملموس يبعث دافع الأسف مع البحث عن الأسباب التي جرَّت إلى سوء أحوالنا العامة في مجتمعاتنا الإنسانية التي رفع شأنها،ديننا الكامل الإسلام الحقيقي الذي أنعم الله تعالى به على الإنسان يوم كان أضلّ من الأنعام في الجاهلية الأولى التي أقامت النوع البشري مقام خلق إنساني لا يعدو غيره إلا في الهيئة والشارة، رغم أنه يملك العقل بدون أي ميزة بين عقله وعقول الكوائن الأحياء، ولكنه لم يكن يعرف الأسس الأولية التي يركز عليها عقله البشري الذي يرشده إلى استغلال قواه في الطاعة الكاملة من خلال أداء الفرائض والواجبات، وإنجاز أعمال الخير في صالح الحياة الإنسانية الفردية والجماعية، “وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ” [العصر:1-3].
إنما كانت الأسس الأولية للحياة الإسلامية متغيبة عن الأفراد والجماعات الإنسانية فكان الناس يعيشون في غفلة أو ضلال أو كبر وأنانية، ما كان لديهم علم بواقع حياة الإنسان الذي لم يخلقه الله تعالى إلا لعبادته فقط “وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ” [الذاريات:56-58].
فالغرض الأصيل لخلق الجن والإنس إنما هو العبادة الخالصة لله تعالى وحده، ولتحقيق هذا الغرض الأساسي بعث رسول الله صلى الله علهي وسلم في الجزيرة العربية بدين الإسلام، الذي يدعو إلى ترك كل إله مزور من الأصنام والأوثان، وما أن أبدى رسول الله صلى الله عليه وسلم مبدء هذه الدعوة الإنسانية وربط الناس بعبادة الإله الواحد القهار، أمر بترك كل عبادة كانت معروفة لدى الناس، وما أن أصدر النبي صلى الله عليه وسلم هذا الحكم الرباني الكريم إلا وقد امتلأت الأرض بهتافات من جاهلية، ومحاربة كل ما يحول دون الخضوع أمام الأوثان، وضجت الجاهلية وثارت على هذا المذهب الجديد، ولم تدرك أنه منزل من السماء ومأمور به العالم البشري بكامله، وأنه سيكون خالداً مع بقاء الإنسان، بل وببقاء هذه الكائنات بكاملها “الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا” [المائدة:3].
يحاول المعارضون لهذه الدعوة الكريمة الخالدة أن تبقى الجاهلية بأصنامها وأوضارها، ويبقى الناس ملتزمين بما ورثوه أباً عن جدّ من تراث الجاهليات المنكرة، ولا ينخدع الناس بالدين الجديد (الإسلام) ولكن الله سبحانه غير الأوضاع رويداً وما هي إلا مدة قليلة إذ ساد الدين الجديد من جميع النواحي على المجتمعات البشرية، وخارت قوى الشر والطغيان وأدرك الناس حقيقة العلاقة بين الخالق والمخلوق، وبين الإله الواحد وجميع الكائنات في عالم البشر، وقام مجتمع سماوي على أرض الله تعالى، وذاق الناس حلاوة الإيمان والعلم والعقيدة، والعلاقة الصافية النزيهة بين الإنسان والإنسان، ونال كل ما خلقه الله تعالى في العالم مكانه اللائق السليم، وإن كان هناك ثغرات جاهلية بين الكفر والإيمان، وقُدر لنوع من الناس الحرمان الكامل من نعمة الإيمان، ونشر الإعلان السماوي بقول الله عز وجل “إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا” [الإنسان:3]. (للكلام بقية)
(سعيد الأعظمي الندوي)