رمضان شهر العبادة والطاعة والبر والإحسان

من وحي الإسراء والمعراج
5 مارس, 2023

رمضان شهر العبادة والطاعة والبر والإحسان

محمد الرابع الحسني الندوي

إن الله تعالى أكمل دينه على خاتم رسله سيدنا محمد بن عبد الله الأمين، وأتم نعمته على الناس كافة بإكمال دينه لهم، و سمّاه بالإسلام، الكلمة التي تحمل معنى السلام الذي يريده ويحتاج إليه كل إنسان، وبذلك كله أتم عليه نعمته التي فيها خير الدنيا والآخرة لعباده المؤمنين بطاعتهم لربهم وأداء أعمال دينهم الذي أكمله الله على آخر أنبياءه، وذلك من أهم خصائص هذا الدين الإسلامي وشريعته الإسلامية الكاملة الجامعة لأحوال الحياة الإنسانية الصالحة،و يظهر ذلك جلياً بالنظر إلى العبادت والأحوال الأخرى التي قررها الله تعالى في هذه الشريعة الكاملة الفاضلة، مثل الصلوات الخمس في اليوم والليلة، وصلاة يوم الجمعة في كل أسبوع، وصلاة العيدين كل سنة، وصوم شهر رمضان من بين اثني عشر شهراً كل عام، والحضور في المركز الديني العالمي لأدء عبادة الحج في حالة الاستطاعة في الحضور فيه، فإن التوقيت لهذه المناسبات الدينية والتنويع في أداء الطاعة لرب العالمين مشتملان على حكمة كبيرة ونفع عظيم.

وشهر رمضان الفضيل الذي نحن فيه الآن، دليل كبير على ذلك، فإن من خصائصه الكبرى تربية دينية جامعة للإنسان المؤمن، إنه يقوم على طريقها بعملية تعبدية على الأساسين الفردي والاجتماعي كليهما، يقوم بالصوم في النهار وهو انقطاع عن الطعام والشراب لمدة يمكن الاحتمال بها لهذا العمل كل يوم من أيام الشهر، ولمدة تستغرق النهار وهو الذي يتحرك فيه الإنسان، ويقضي حاجاته، فيحتاج فيه إلى الطعام والشراب في صورة أكبر، وهو بصومه يصبر على ذلك ليثبت طاعته لربه باحتماله المشقة والصبر عن الطعام والشراب وبالمشقة التي يحتملها لرضا ربه ليصبح عمله، عمل العبادة، وكذلك هو يصبر على احتمال هذه المشقة، ويستمر على عمله هذا طيلة أيام شهر، وتأتي هذه المناسبة كل عام مرة واحدة، وبها تحصل له التربية على طاعة ربه، وتتكر هذه التربية كل عام، وبهذه التربية على الصبر في طلب رضا الله طيلة مدة شهر واحد يتزود  بالقوة على الصبر في طلب رضا ربه لمدة بقية الشهر وهي أحد عشر شهراً، فتستمر فيه روح الطاعة لله مدة عام كامل، ويستمر ذلك كل عام في حياته.

 هذا في مجال حياته الفردية، أما في مجال حياته الاجتماعية فإنه يبدي بصبره على انقطاع غذاءه وعمله بهواه بحرية، تضامناً مع إخوانه الذين يواجهون الفقر والحرمان من الغذاء الكافي ويتعرف على ما يحتملونه من قلة في الغذاء أو الحرمان منه، وهو عند ما يتعرف على ذلك يشعر نحوهم بالحنان والعطف وتتيقظ فيه روح مساعدتهم والتعاون معهم في إزالة فقرهم، ويتحقق بذلك التعاطف الإنساني الواسع بين طبقات المؤمنين.

ولوجود كل هذا الخير جعل  الله الأجر للصائمين أجراً كبيراً، فقد جاء في الحديث الشريف”إلا الصوم  فإنه لي وأنا أجزي به”  فخص الله جزاء الصوم بنفسه من بين جزاء العبادات الأخرى التي يقوم عباده بأدائها، ولا شك في أن العبد المؤمن يحتمل في الصوم مشقة قلما توجد في عبادات أخرى، مع ظهور التعاطف في قلبه نحو إخوته من أبناء البشر الذين يضطرون إلى احتمال الفقر في حياتهم، ويتجلى في عمله هذا مدى طاعة العبد لربه وطلبه لرضاه، ويتقبل الله منه هذا العمل بصورة أعلى وأكبر، وذلك بقوله “إلا الصوم لي وأنا أجزي به” فكم يكون جزاؤه كبيراً على هذا العمل بناءاً على وعد الله تعالى له بهذه الجملة الطيبة، ثم إن الإخلاص الذي يوجد في هذا العمل يجعل العمل سبب طمأنينة وسكينة كبيرة في قلب صاحبه، فأهلاً بهذا الشهر الكريم شهر الصوم وأهلا بحلوله الآن وبحلوله كل عام.

×