الفضيلة
7 أبريل, 2022الفضيلة لدى مفكري المسلمين
16 أبريل, 2022منهج الشيخ أبي الحسن علي الحسني الندوي في الفكر والدعوة (4)
الشيخ بلال عبد الحي الحسني الندوي
التعريب: محمد خالد الباندوي الندوي
طريقان لإعلاء الدين الإسلامي:
دعوة الأمراء والسلاطين إلى الفكر الإسلامي الأصيل تقتضي حزما وبصيرة، وتتطلب من الدعاة والعاملين للإصلاح حكمة وأسلوبا هادئا رزينا، لذا لابد من تغيير أساليب الدعوة ومناهج الإصلاح بتغير الأحوال والظروف واختلاف الأمصار والبلاد، كما لابد من رعاية اختلاف طبائع المدعوين ونفسيتهم.
إذا قمنا باستعراض تاريخ المناهج الدعوية والفكرية والإصلاحية نجد أنهم يتفقون -على اختلاف مناهج الدعوة والإصلاح عندهم -على منهجين أساسيين للغلبة والانتصار، ولاشك أنهما أكثر نفعا وأعم إفادة للأمة الإسلامية ولكن يقتضيان الرعاية المطلوبة والترتيب الدقيق المتزن العادل النزيه، وربما يؤدي عدم العناية بهما إلى إخلال في نظام العمل الدعوي وإحداث ثغرات واسعة وعراقيل ضخمة في سير الدعوة.
فأما الطريق الأول الذي أكثر الطرق الدعوية تأثيرا وأعمها نفعا وصلاحا هو إيصال الفكر الإسلامي الصحيح النزيه إلى أرباب الدولة وأصحاب النفوذ والتأثير أوإلى من يرجى لهم الحصول على الحول والطول في المستقبل، فلابد من تركيز العناية عليهم وتربيتهم على المبادئ الإسلامية الصحيحة بأسلوب يتفق مع طبائعهم وينسجم مع عقولهم ونفسيتهم.
والطريق الثاني إيصال جماعة مؤمنة واعية تحمل روحا إسلامية وفكرا إسلاميا إلى مناصب الحكم ومنافذ التأثير، ولاشك أن كلا الطريقين تحملان النفع العظيم وتقدران على تغيير الظروف الفاسدة وإحداث الثورة الصالحة في المجتمع والبلاد، وربما يضطر العاملون في حقول الدعوة والإرشاد وفق مقتضيات الظروف إلى استخدام الطريق الثاني للمهمة الإصلاحية التي يتوخونها، واكثر ما يكون ذلك إذا انقطع حبل الرجاء من العمل الدعوي وعم اليأس والقنوط، وفقد الطريق الأول تأثيره على النفوس والقلوب، ولا يبقى أمام المصلحين والدعاة إلا طريق الانقلاب وإحداث الثورة ضد الحكومة الطاغية واكتساب القوة والوصول إلى منافذ التأثير، فيلزم لهم القيام بإزالة العراقيل والحواجز عن سبيل الدعوة والجهاد الحاسم ضد القوات المضادة في ضوء الشريعة الإسلامية مراعين الأصول والثوابت الدينية، ونجد له أمثلة كثيرة يتجمل بها تاريخنا الإسلامي المشرق، إلا أن الطريق الأول هو أكثر المناهج تأثيرا وأعظمها فائدة في عامة الأوضاع أعني به محاولة إيصال الفكر الإسلامي الصحيح إلى الحكام والقادة والزعماء أو من سيتولى زمام القيادة في المستقبل، وتزويدهم بالفكرة الإسلامية العادلة ومنهج الدين الإسلامي العادل للحكم والوصاية على الشعب وإيقاظ الشعور فيهم وتربيتهم تربية دينية، ويدل تاريخ الدعوة والإصلاح أن منهج دعوة القادة والزعماء إلى الفكر الإسلامي وتقريبهم إلى الإسلام بأسلوب هادئ رزين هو المنهج المتبع السائد عند عامة أصحاب الإصلاح والتجديد، وأتى بثماره الطيبة الناضجة.
قصص تربية السلاطين والأمراء على المبادئ الإسلامية:
ويذكر التاريخ الإسلامي كثيرا من روائع القصص التي تشتمل على نقد العلماء والمصلحين على السلاطين والأمراء في عصورهم ومنها ما نجد أن سيد التابعين سعيد بن المسيب قام بالنقد الشديد على الخليفة الأموي يزيد بن عبد الملك وعاتبه مرارا وتكرارا، ونجد كذلك أن إمام دار الهجرة مالك بن أنس وجه رسالة تشتمل على النقد اللاذع إلى الخليفة هارون الرشيد وأرشده إلى الحق والرشد والصواب، وسار على درب العلماء الصادقين الربانيين الإمام أحمد بن حنبل حيث قام أمام فتنة خلق القرآن أيام المعتصم الخليفة العباسي واستقام على الحق وجادة الصواب، وظل يقوم بدعوة الخليفة إلى ما هو عليه من الرشد والسداد، كما قام بواجب إرشاد الخليفة من بعده المتوكل إلى الحق والابتعاد من الباطل، وبذل له النصح الجميل، وبات في معسكره عدة ليالي يرشد الضالين ويوقظ في نفوسهم الغيرة الإسلامية ويعلمهم أمور دينهم، ثم الإمام الأوزاعي الذي مازال يكتب إلى الأمراء والسلاطين رسائل قيمة مملوءة بالنصح والإرشاد ولما اتصل بهم وعظهم موعظة بليغة مؤثرة وجلت منها القلوب وأسالت الدموع ورقت بهاالنفوس.
دخل الإمام الغزالي يوما على الملك السنجر في قصره فنبهه على بعض تقصيراته في إدارة البلاد دون مهاباة بمكانته كما وجه إلى أخيه محمد أكبر الأمراء في عصره رسالة مفعمة بالجرأة والشجاعة الدينية تشتمل على إيقاظ الشعور في نفسه بمسؤولية البلاد والرعية وإصلاح أمور الدولة والخشية من الله العلي القادر في جميع تصرفاته وأفعاله، وإن السلطات الشرقية يديرها عامة الوزراء والأمراء تحت إشراف الملك وهم يملكون القوة الحاكمة والمنفذة، نظرا إلى ما يملكه الوزراء من القوة المنفذة والمكانة القوية عند السلاطين كرس الإمام الغزالي جهده إلى إصلاحهم وإرشادهم نحو المعاني الكريمة وتربيتهم على المفاهيم الدينية، فكتب إليهم رسائل طويلة جامعة مؤثرة.
والشيخ عبد القادر الجيلاني أروع أمثلة في تاريخ الإصلاح والتجديد يتصل به الغني والفقير والأمير والمأمور فيشملهم بالموعظة والنصيحة ويأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر، وحدث مرة أن الخليفة المقتضي لأمر الله عين عاملا كان اسمه ابن المرحم الظالم ولما بلغ ذلك الشيخ الجيلاني فنبهه على ذلك فعزله الملك على الفور.
ومن هذه الطائفة الميمونة المباركة الشيخ الخواجه عبيد الله الأحرار الذي كان من كبار مشايخ الطريقة النقشبندية بل كان إماما فيها، يحتذي بحذوة العلماء الربانيين في دعوة الأمراء والسلاطين إلى تطبيق الأحكام الإسلامية والتعاليم الدينية على أنفسهم ومراعاتها في إدارة أمور الدولة وجرى على سنته تلك الإمام المجدد أحمد السرهندي مجدد الألف الثاني كما يتجلى من كتاباته القوية ورسائله البليغة في توجيه الأمراء والسلاطين في عصره، يكتب الشيخ الإمام السرهندي في رسالة يتحدث فيها عن الشيخ عبيد الله الأحرار: “إنه كان يحضر مجالس الأمراء والسلاطين، فيتأثر الملوك والأمراء بصفاء طبيعته وقوته الباطينية حتى ينقادون له في كل أمر يأمرهم أوينهاهم، ويمتثلون لأمره”.
وممن سلك مسلكهم الإمام العبقري والعلامة أحمد بن تيمية الذي قامت بينه وبين سلطان التتار الملك قازان (الذي شن الهجوم على البلدان الإسلامية وفتح الشام، وطاح بعروش الأمراء والسلاطين حتى دبت في قلوب المسمين هيبته ) مفاوضات، فتحدث معه بحكمة عظيمة وأسلوب هادئ غير مجامل فتأثر به وبكلامه تأثرا عظيما وأمر بإطلاق سراح عدد كبير من المسلمين وأكرم وفادة الشيخ حتى انصرف من مجلسه بإكرام.
وجرت بين المسلمين والتتار حرب دامية سنة 702 الهجرية ورجع المسلمون منها بالفتح المؤزر وكان ذلك بفضل مشورة الإمام بن تيمية. (يتبع)