الجوهرة الإنسانية، هل يمثِّلها المسلمون؟!
3 فبراير, 2021الجائحة مستمرة فما علاجها؟
4 أبريل, 2021الجوهرة الإنسانية، هل يمثلها المسلمون؟!
(الحلقة الثانية)
فمن هم الصادقون في تمثيل هذه الجواهر الإنسانية؟ ولعل الآية المذكورة في آخر الكلمة السابقة توفِّر لنا الجواب، في حياة الأمة الإسلامية التي تمثل نماذج عالية من الأسس التي يقوم عليها سقف الحياة الإسلامية،وهي الحياة المنشودة لدى هذه الأمة، والمرضية عند الله تعالى الذي أكرم هذا الخلق الغالي بين الكائنات كلها بالأخلاق العالية من الإيمان الخالص والطاعة الكاملة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم، الذي كان آخر الأنبياء والرسل، وكانت أمته هي آخر الأمم كلها،وقد أكرمها الله بمهمة الدعوة إلى الله،وإعلاء كلمته، وزيَّنها بجوهرة الإنسانية التي هي الإيمان بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم “كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ” [آل عمران:110].
قليل من التأمل في الآية يوضح لنا الطريق المؤدي إلى بناء مجتمع إنساني صالح وأمة ذات خيرات وقربات، لم يكن ذلك من قدرة قادر مهما كان عظيماً عبقرياً ذا وسائل مادية واسعة كبيرة، إنما هو ربنا العظيم الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام فقط،وأودع فيهما كل ما يحتاج إليه الإنسان -مهما كان- من وسائل غنية لقضاء الحياة كأفضل خلق، إلا أن هذه الأفضلية لا تأتيه بمجرد أنه إنسان ذو عقل متميز وذكاء خارق، فإن ذلك وحده لا يغني عنه إذا كان مجرَّدًا من جوهرة الإيمان،بعيداً عن معرفة الخالق العظيم،وأداء حقه على هذا المخلوق الذي يُدعى بالإنسان، إن مجرد نعمة الإنسانية وجوهرة العقل والتمييز بين الحسن والسيئ، والطاعة والمعصية، هي الأساس القويم الذي يقوم عليه بناء نعمة الإنسانية والسعادة البشرية التي تصله بربه تعالى وتربطه بعزة العبودية لله التي تفتح له الطريق إلى رحاب أفضل الخلق، وتجعله من عباد الرحمن الذين وصفهم الله تعالى في كتابه بأحسن ما يوصف به عباد الرحمن فقال: “وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا” [الفرقان:63-64].
الجوهرة الأصيلة في الإنسان هي صلته بربه الكريم الذي خلقه في صورة الإنسان الجميلة الجذابة، فكان أقل قيمة يؤديها لربه الخالق العظيم أن يستعين بعقله وذكائه وتميزه بإزاء الكائنات كلها أن يكون له عبدًا خاضعًا، ذاكرًا لهذه المنة العظيمة التي منَّ بها عليه، وشاكرًا لله نعمه التي حلَّى حياته بها، ومن ثم كان الإنسان أفضل خلق الله تعالى، وقد فوضه سبحانه العيش في هذه الأرض كخليفة رغم إنكار الملائكة في السماء أن يجعل آدم وذريته خليفة في الأرض “وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ” [البقرة:30].
ومن هنا كان الإنسان خليفة السماء في الأرض، وعادت عليه مسئولية التمثيل الكامل للجوهرة الإنسانية،وما دمنا نمثِّل هذه الجوهرة في حياتنا كنَّا من سعداء الخلافة السماوية في الأرض.
فهل نحن نمثِّل اليوم ما أراده الله تعالى بنا، أم تناسينا هذه الكرامة التي أكرم بها الإنسان وحده، ليس غير؟ أرجو أن الرد على هذا السؤال يتوقف في ضوء حياتنا التي نعيشها في العالم المعاصر اليوم.
والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.
(سعيد الأعظمي الندوي)