أمراض المجتمع وعلاجها (10)
22 June, 2025من ذُلِّ الواقع إلى عزة الإيمان
22 June, 2025أمراض المجتمع وعلاجها (11)
الشيخ بلال عبد الحي الحسني الندوي
البهتان:
البهتان من أكبر الآثام التي يتورط فيها اللسان، فإذا نُسب إلى أحد ما لم يفعله، فقد ارتُكبت جريمة شنيعة في حقه،وكلما عظمت التهمة، ازداد جرم البهتان فظاعة وشناعة؛ سواء كانت تهمة الزنا، أو السرقة، أو حتى بأمرٍ تافه لم يصدر عنه، فكلها صور للبهتان، وكلها من الكبائر.
قال الله تعالى:
“وَمَن يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا” [النساء:112].
وقد ورد في الحديث الشريف عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “أَتَدْرُونَ مَا الْغِيبَةُ؟”
قَالُوا : الله ورسوله أعلم.
قَالَ : “ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ”.
قِيلَ : أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟
قَالَ : “إِنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ فَقَدِ اغْتَبْتَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَقَدْ بَهَتَّهُ”. (صحيح مسلم: كتاب البر والصلة..، باب تحريم الغيبة:2589)
فمن الناس من يتخذ من الكذب سلاحًا ليطعن في كرامة الآخرين، ينسج التهم، ويشيع الأكاذيب، غير أن الحديث النبوي يحذّر: من رمى أحدًا زورًا، لن يموت حتى يرى نفسه في موضع التهمة، فيكون عبرةً لمن يعتبر.
فقد ورد هذا المعنى في حديث رواه الترمذي والطبراني وابن أبي الدنيا عن معاذ بن جبل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من عير أخاه بذنب لم يمت حتى يعمله. قال عنه الترمذي: حديث غريب. (سنن الترمذي: كتاب صفة القيامة والورع:2429)
وكثيرًا ما يكون الحقد دافعًا إلى ترويج الكذب دون تثبّت، وتصديق كل ما يُقال في عدوه دون بحث أو دليل، وحين ينشر ما سمع، يكون قد ارتكب إثمًا مبينًا، إذ صار بلسانه معولاً يهتك به أعراض الأبرياء.
فإن البهتان، مهما كان نوعه، يُعدُّ من الكبائر، إلا أن رمي أحدٍ بتهمة الزنا دون بيّنة يُعدّ من أعظم الذنوب وأشدّها فتكًا بالمجتمع. ولذا فقد وضعت الشريعة الإسلامية له حدًّا واضحًا يُعرف بـ”حد القذف”، وهو أن يُجلد القاذف مائة جلدة إن لم يُقم الدليل على دعواه.
إنما شُرعت هذه العقوبة الرادعة لتكون سدًّا منيعًا أمام تفشي الفواحش، ولتَحول دون تفكك المجتمع وفساده، فمثل هذه التهم الباطلة تُفسد القلوب، وتُخرّب البيوت، فجاء الإسلام ليُغلق هذا الباب بصرامة وعدل.
ثم توعَّد الله تعالى الذين يسعون في نشر الفواحش بين المؤمنين بأشد الوعيد، فقال في كتابه الكريم:
“إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ” [النور:19]
وخلاصة القول: إن شدّة الإثم تشتد بحسب فداحة التهمة التي ترتكب، فكلما كانت التهمة أعظم، كان الذنب أشد. وإذا كانت التهمة موجَّهة إلى أهل الفضل والورع، بل إلى الصحابة الكرام، فإن الجُرم يكون من أشد الفجور وأقبح الفسق، ويُخشى على الإيمان نفسه أن يتزلزل.
وقد بلغ الأمر منتهاه حين تعرّض المنافقون لأمّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها بالإفك، فأنزل الله في حقهم آياتٍ تُتلى إلى يوم القيامة، وخصَّ من تولى كبر هذه الفتنة بالعذاب العظيم، فقال تعالى:
﴿وَالَّذِي تَوَلَّى كِبَرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ [النور:11]. [تعريب: سعد مبين الحق الندوي]