فضل الأضحية ومكانتها في الإسلام
22 June, 2025الإخلاص شرط قبول العمل عند الله
20 July, 2025من تشبه بقوم فهو منهم
عبد الرشيد الندوي
عن أبي واقد الليثي رضي الله عنه قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حنين ونحن حديثو عهد بكفر، وللمشركين سدرة يعكفون عندها وينوطون بها أسلحتهم، يقال لها: ذات أنواط، فمررنا بالسدرة، فقلنا: يا رسول الله! اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الله أكبر! إنها السنن، قلتم والذي نفسي بيده كما قالت بنو إسرائيل: “اجعل لنا إلها كما لهم آلهة، قال إنكم قوم تجهلون”، لتركبن سنن من كان قبلكم.
تخريج الحديث: أخرجه أحمد: 21897، والترمذي: 2180.
شرح الحديث: يتجلى في هذا الحديث حرص النبي صلى الله عليه وسلم على صيانة التوحيد وسد كل ذريعة تمسّه أو تكدر صفاءه إذ إن الصحابة قالوا ما قالوا عن بساطة وسذاجة، ولم يكن في نيتهم سوء، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم رأى في طلبهم هذا ركونا إلى مظاهر الشرك، ومشابهة لما فعله بنو إسرائيل فسارع بالإنكار وحذّر من عواقب التشبه بالكفار. والمقصود أن الاحتفاظ بأصالة التوحيد وشفافية الإسلام مطلب عظيم ومرام جسيم لا يتحقق بحسن النية وصحة القصد فحسب، بل لا بد من مراعاة الصورة والهيئة وبادئ العلامات لأن كثيرًا من الانحرافات العقدية بدأت من أعمال لا يُقصد بها الكفر، ولكنها تشبه أفعال الكافرين فاستدرج بها الشيطان الناس شيئا فشيئا حتى انطمس نور التوحيد واندرست معالم السنن. ولأجل هذا قال صلى الله عليه وسلم لتتبعن سنن من كان قبلكم، وهذا تحذير عظيم من التشبه بالأمم الضالة، فإن من تشبه بقوم فهو منهم. والمقصود أن مشابهة الكافرين ليست مسألة شكلية بل هي مسألة دينية خطيرة قد تكون أول خطوات الانحراف، فلا يجوز استيراد رموز غير المسلمين أو مشابهة طقوسهم وإن سميت بأسماء جديدة أو تؤولت بنيات صالحة. ولهذا كان أهل العلم في كل زمان يحذّرون من كل موضع أو مظهر يُقصد فيه التبرك على غير وجه شرعي، قال بعض أهل العلم من أصحاب مالك: “فانظروا رحمكم الله أينما وجدتم سدرة أو شجرة يقصدها الناس، ويعظمونها، ويرجون البرء والشفاء من قِبلها، ويضربون بها المسامير والخرق، فهى ذات أنواط، فاقطعوها” (إغاثةاللهفان في مصايدالشيطان لابن قيم الجوزية ط الفقي: 1/205).
وعلى كل فكل ما فيه تشبه بالأمم الضالة من عادات أو علامات أو مقامات أو رموز تعلّق بها الناس من دون دليل من الشرع فالأصل فيه الردّ والترك. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردّ فلا بد من مطابقة العمل للسنة وخلوّه من مشابهة الضالين والمبتدعين. وإن أعظم ما يُصان به الدين أن يُغلق باب الشبهات والمداخل التي منها تسلل الشرك والبدع إلى الأمم السابقة. نسأل الله أن يحفظ علينا التوحيد خالصًا كما بلّغه إلينا نبيه صلى الله عليه وسلم وأن لا يجعل في قلوبنا ميلاً إلى زخارف الجاهلية وسنن المغضوب عليهم ولا الضالين آمين يا رب العالمين.