أيام في الربوع العربية (3)
23 يونيو, 2024أيام في الربوع العربية (5)
7 أغسطس, 2024أيام في الربوع العربية (4)
الشيخ محمد الرابع الحسني الندوي
ومدينة “صيدا” هي المدينة الثالثة في عظمتها وأهميتها من بين مدن لبنان، وتقع على ساحل البحر الأبيض المتوسط في جنوبي بيروت، وهي مدينة إسلامية، فإن المسلمين هم أكثر سكانها، وهي تعاني جفوة من الحكام المسيحيين في لبنان بحكم صفتها الإسلامية، فوصلنا إليها قبل الظهيرة، وزرنا دار الأوقاف والفتيا، والتقينا بمفتي “صيدا” الشيخ محمد أنيس حمود، وجلسنا معه في بيته قليلاً، وسر الشيخ بزيارة الوفد وتحدث الحاضرون في الموضوعات الإسلامية السائدة، وطرحوا على فضيلة الأستاذ الندوي وفضيلة الأستاذ جمال بعض الأسئلة عن مستقبل العالم الإسلامي، وعن أسلوب العمل المفيد في الوضع الإسلامي الحاضر، وكان أكثر البحث مركزًا على ضرورة القيادة الإسلامية الموحدة، وعلى أهمية التضامن الإسلامي، فأجابا على الأسئلة، واستطرد الحاضرون في الحديث، وصار المجلس بذلك ندوة إسلامية مفيدة.
ثم خرجنا مع المسئولين منهم لزيارة دار الأيتام بصيدا، وهي مؤسسة إسلامية تربوية في هذه المدينة كشقيقتها في بيروت وطرابلس، وهي أيضًا تؤدي دورها بالتبرعات الأهلية والجهود الإسلامية الشعبية، وذكروا لنا قصة إنشائها فقالوا إن الإرساليات المسيحية أغرت رجلاً غنيًا من المسلمين وأخرجته عن دينه وحملته ضد الإسلام، فأنشأ هذا الرجل مؤسسة تربوية شعبية ليتخذها ذريعة إلى إغراء الشباب في هذه المدينة، ونادى رجال منهم بأن تكون للمسلمين مؤسسة اجتماعية تكفي الشباب حاجتهم من التربية والتعليم فلا يضطروا إلى الذهاب إلى مؤسسات يتعلمون فيها الضلال، فكانت دار الأيتام هذه المؤسسة المباركة، وقد أثرت الجهود في هذه المؤسسة الكريمة تأثيرًا قضى على تلك المؤسسة الظالمة وذلك فضل الله على المسلمين.
وتوجه الوفد من هنا إلى ضاحية جميلة قريبة من صيدا، وقضى بعض الوقت في بيت فضيلة الشيخ سليم جلال الدين قاضي الشرع بصيدا، جرى فيه الحديث عن بعض القضايا الإسلامية الفقهية وخاصة قضية التصوير الشمسي للأحياء فإن هذا التصوير قد عم اليوم في أنحاء العالم الإسلامي كله، وتساهل فيه حتى علماء الدين كذلك، ولم يبق إلا علماء الهند وباكستان فإنهم لا يزالون على تحريمه ولا يستحلونه إلا عند حاجة من الحاجات المهمة لا يمكن قضاؤها بغيره، فكان رأى فضيلة الأستاذ أبي الحسن علي الحسني الندوي هو استهجانه في الحالات العامة، وكان أغلب الحاضرين يعارضونه غير واحد منهم كان يرى استهجان التصوير وتحريمه وكان موقفهما أن استباحة التصوير لا تتفق مع القول النبوي الكريم، ولا مع عمله، ويؤيد الحكمة في استهجانه ما نراه من اهتمام الشباب والرجال في كل قطر يضعونها موضع الاحترام الذي قد يبلغ إلى حد التقديس، فذلك إذا دل على شيء فإنما يدل على تشابهه بالصور التي كان المشركون يتخذونها لشخصياتهم المقدسة ويحترمونها احترامًا تقديسيًا وفي ذلك حكمة تحريم التصوير في كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم كما يتبين ضرر التصوير اليوم من جانب آخر أيضًا، بل إن هذا الجانب هو سبب فساد كبير وهو كون التصوير ذريعة قوية لإثارة العواطف وعكوف تجار الجنس والإباحية على الاستفادة من هذه الذريعة للوصول إلى أغراضهم مهما كان تأثيرها خطيرًا من تفسيح الأخلاق وإشاعة الانحراف والإباحية في المواطنين، ولقد قويت موجته اليوم حتى بلغت إلى حد لا يمكن حتى للأقوياء من الناس أن يسدوها واستمر البحث في التصوير فترة من الوقت وكان أكثر الحضور في حق إباحته في كل حال، ولقد رأينا منذ مدة أن العرب لهم غرام خاص بالتصوير، وقد يكون غرضهم في ذلك نبيلاً، ولكن ضرره وقبحه لا يمكن الإغضاء عنهما على الأساس الإسلامي القويم.
ورجعنا من بيت الشيخ سليم جلال الدين قاضي الشرع لتناول طعام الغداء في مأدبة أعدها للوفد مضيفوه في فندق جميل على ساحل البحر في مدينة صيدا، وتوجهنا بعد الغداء قافلين إلى بيروت قبيل صلاة العصر، ومررنا على الطريق الساحلي الجميل وكانت تتخلله القرى والأرياف الجميلة التي كانت تبدو على مستوى حسن من الرقي والتمدن، ولكن السمات المسيحية في هذه القرى والمدن كانت تسيطر على السمات الأخرى وكان يبدو أن الاهتمام المسيحي ونفوذ السلطان المسيحي نشيطان في كل مكان في لبنان وخاصة في مدينة بيروت التي تأثرت تأثرًا بالغًا بمؤثرات الثقافة والسياسة الغربية المسيحية، وعلمنا من المصادر الموثوق بها أن هنالك عملاً نشطًا لتقوية العناصر المسيحية وتغليبها على غيرها في هذا البلد ويشرف على هذا العمل زعماء الكنائس الأوروبية وذوو الشوكة والسلطان من رجال الدول الغربية الكبرى، وتسعى القوى المسيحية في هذا البلد وما جاوره من البلاد بكل حكمة ومكيدة لتذويب القوى المتعارضة مع المسيحية وهي الإسلام بصورة خاصة ويستخدمون لذلك شتى الوسائل، منها السياسية ومنها الاجتماعية ومنها المالية، ويجد مسلمو لبنان أنفسهم تجاه ذلك في وضع ضعيف ويشعرون لذلك بكبت وخوف ولكن أهل العزة منهم يبذلون ما يسعهم من جهود لمقاومته، ولقد اجتمعنا بشخصيات مختلفة من ذوي الخبرة والاطلاع في لبنان، فكان انطباعهم هو ما ذكرناه آنفًا، فأعان الله لبنان على إسلامه وعلى أمة الإسلام فيه.
صلينا العصر في محلنا من الفندق، وكان في برنامجنا في الساعة الخامسة عصرًا زيارة مُخيم جماعة عباد الرحمن في ضاحية من ضواحي مدينة بيروت، ثم الحضور في الساعة السادسة على مأدبة العشاء التي يقيمها سماحة المفتي السيد الحاج أمين الحسيني رئيس الهيئة العليا لفلسطين، ورئيس المؤتمر الإسلامي لفلسطين، ولكن تأخر رجوعنا من صيدا فتأخرنا عن موعد زيارة المخيم، واضطرب الحبل بين زيارة مخيم عباد الرحمن والحضور في مأدبة سماحة مفتي فلسطين ولكنه وقع لأحد أعضاء المخيم حادث اصطدام مروع فشغل الجميع عن القيام ببرنامجهم في المخيم وزيارتنا ولم يتمكنوا من أخذنا إلى مخيمهم، ولم نعلم ذلك إلا عن طريق الجريدة في صباح الغد، على كل، فقد انتظرنا منهم رجلاً يكون دليلاً لنا إليهم ولكنه لم يحضر فتوجهنا إلى موعد سماحة المفتي. (يتبع)