لا تغضب

العيد في قريتي
28 يونيو, 2020
مأساة العمال المهاجرين بالهند
28 يونيو, 2020

لا تغضب

لأن الغضب عمل شيطاني وخلق عدواني وهو ثوران النفس عند إرادة الانتقام، وقد قيل إن الغضب ريح تهب فتطفئ سراج العقل، وهو يسبب العداوة ويورث الكراهية، ويؤدي الإنسان إلى سوء العاقبة، وكم من بيوت عامرة خربت وهدمت به، وكم من أسر تشتتت به وتبددت، وتضعضع حبل نظامها، وهو حالة مرضية نفسية يصير الإنسان بها كثير الخطأ، قلق النفس، مضطرب الفكر، شديداً في المعاملة، جافياً في المعاشرة، لا يعرف العفو والصفح والتسامح،مستبداً برأيه وأمره، ولا يرضى عمن يخالفه، بل يكرهه كرهاً أشد الكراهية، لهذا يجفوه الناس ويفرون منه ويبتعدون عنه ويتحامون لقاءه، وإذا كان أستاذاً لا يرغب تلاميذه في درسه ويتحينون الفرص للفرار عنه، ولا يذكرونه بالإكرام والاحترام إلا مجبرين، وإذا كان رئيساً أطاعه مرؤوسوه مكرهين والقلوب مملوءة غيظاً منه وتغلى بالحقد عليه.

والغضوب لا يؤذي الآخرين أكثر مما هو موذ نفسه، ولا ينغص عيشهم وحياتهم أكثر مما هو منغص نفسه عيشها وحياتها، ولا ينحصر أذى الغضوب فيمن يعمل معه، بل هو بين زوجه وأهله وأولاده، بل في جميع أسرته أسوأ سلوكاً، فهو في البيت ظالم يزيل عن أسرته عادة الصدق والأخلاق الفاضلة والخصال الحميدة خوفاً من ثورته، ويوجد فيهم عادة الكذب تهدئة لغضبه، والغضوب لا يستطيع أن يكون أسرة صالحة فيها الفرح والسرور،وفيها الغبطة والحبور، وفيها النشاط، وفيها الأمن الأمان، والحب والسلام، وفيها الشفقة للصغار والتوقير للكبار، وفيها النصيحة للجميع، وإذا دخل بيته ساد فيه الخوف والذعر خوفاً من غضبه، وإذا كان تاجراً فالزبائن لا يغشون محله وإن كانت أصنافه وأنواعه أحسن الأنواع وخير الأصناف.

كان صيدلي يضع أمامه على المنضدة تحت الزجاج ورقة بيضاء سمينة كتبت عليها كلمة واحدة “لا تغضب”، فسئل عن سرها، فقال: وقعت حادثة كدت أفقد فيها حياتي، كان سببها سرعة غضبي، لهذا وضعت هذه الكلمة أمامي، فلم أغضب بعد أبداً.

وما أحسن ما كتبه الدكتور عائض القرني في كتابه الشهير “لا تحزن” عن الغضب في صفحة 58:

“أجمل وصية من الرسول صلى الله عليه وسلم وقد جاءه رجل غضوب فقال أوصني قال لا تغضب، فردد مراراً قال: لا تغضب، الغضب خلق عدواني مدمر يفتك بالشخصية، وهو وصف مذموم يضرب سمعة الإنسان في الصميم وغالب الشرور والفتن والثارات والأحقاد من الغضب وسفك النفس المعصومة إنما جاء بعد الغضب والضرب والشتم واللعن، هي ثمرة الغضب والحرب والقطيعة والمكر من بنات الغضب، فيا لله ما أسوأ الغضب وما أبشعه وما أمره وإذا استولى الغضب على الإنسان شل أخلاقه وأفسد ذوقه وأذهب مهابته وحلاوته، وصار مكروهاً ممقوتاً ومسخوطاً عليه مبغوضاً عليه من الله ثم من الناس.

لا تغضب أيها الإنسان حرصاً على عقلك وسمعتك وصحتك وأعصابك ودينك ومستقبلك فالحياة لا تستحق دقيقة واحدة من الغضب لأنها زائلة زائفة تافهة.

لا تغضب أيها الإنسان لأنك تقضى على عافيتك وأمنك الداخلي واستقرارك النفسي وبهجتك وسعادتك بغضبك لأن الغضب فرن متوقدة شعيراً ولهباً وحمماً سوداء.

لا تغضب أيها الإنسان لأن مع الغضب أمراضاً مزمنة كالسكرى والضغط والجلطة والنزيف والتشنج والقلق والاضطراب.

لا تغضب أيها الإنسان فإن من كف غضبه كف الله عنه عذابه فهنياً للكاظمين الغبط والعافين عن الناس والله يحب المحسنين وعن النبي صلى الله عليه وسلم من كظم غيظاً وهو يقدر على إنفاذه ملأ الله قلبه أمناً وإيماناً.

وعن عائشة رضي الله تعالى عنه أن خادماً لها غاظها فقالت لله در التقوى ما تركت لذي غيظ شفاءاً، وروى ينادي مناد يوم القيامة أين الذين كانت أجورهم على الله فلا يقوم إلا من عفي”.

(محمد قيصر حسين الندوي)

×