أمتي
9 يونيو, 2020العيد في قريتي
28 يونيو, 2020الحبّ هو المعلّم الأوّل للعقل
الحياة عبارة عن عنصرين رئيسيين، أحدهما الذوق والآخر الشوق، وهما قوام الحياة، وإذا انعدم أي عنصر من هذين العنصرين الحيويين، فإن الحياة تصبح مجرد مظهر للحياة، والإنسان جسدًا متحركًا بدون قلب أو روح، لا يميزه شيء عن الجهاز والماكينة، فإذا كان اختصاص الإنسان في أي عصر ومصر، إنجاز مهمة بجهده وكده، فقد بدأ العقل الإلكتروني يقوم بأعمال يعجز عن القيام بها الأبطال، وذوو الكفاءات، فالذوق والشوق وهما من إشعاعات الحب، ميزتان تفصلان الإنسان عن المادة والآلات التلقائية العاملة، ولا يمكن أن يخلو من هذين العنصرين أي مرفق من مرافق الحياة، وخاصة الدين،وقد قال الشاعر الإسلامي الفيلسوف، محمد إقبال:
“إن الحب هو المعلم الأول للعقل والقلب والنظر، ولولا الحب لكان الشرع والدين مجموعة أصنام النظريات، والطقوس، إن صدق الخليل هو الحب، وصبر الحسين هو الحب، وليس بدر وحنين في معركة الوجود سوى الحب”.
إن قيام مذاهب، ونظريات وحركات في كل بلد، في مختلف عصور التاريخ، وخاصة في هذا العصر الذي نعيش فيه، وفشل هذه الحركات أو نجاحها في تحقيق أهدافها، سواء أكانت مستقيمة ورشيدة، أو منحرفة عن طريق الحق، ممتن لوجود هذا الحب، الذي يعمل كالوقود، ويتوقف تطورها على نسبة وجود هذا الوقود في كيانها.
وقد كان أكبر إهمال تلاقيه الحركات في هذا العالم هو التجاهل عن تطوير هذا الوقود وشحنه في سائر الحركات التي تنشأ حيناً بعد حين في مختلف أنحاء العالم الإسلامي بصفة خاصة، وقد تعود الفكر الحديث أن تحلل أسباب نجاج وفشل حركة أو خطوةفي ضوء الأسباب والتدابير التي اتخذت أو لم تتخذ لإنجاحها، وينقضي الوقت وتنشأ حركات جديدة تواجه نفس المصير،وتلاقي نفس التحليل والنتائج، مهما اختلفت في مظهرها أو التعبير عنها، فإنها تتحد في مغزاها، وهي عدم الولاء للأهداف، وتسرب هوى النفس والغرض الشخصي، سواء أفي كادرات القادة، أو طوابير الجنود والأعضاء.
إن اللبنة الأولى في بناء كل كيان، هي الحب أو الإخلاص، وهو أغلى شيء، بل أندر وجود في هذا الكون، ومهما نسمى الحب بتعبيرات مختلفة، بروح الفداء، أو الولاء، أو الإخلاص، ولكنه قلب كل عمل وفكر.
إن الذوق يقوى في الإنسان قوة الشعور والتمييز، فيأخذ ويختار ما يحبه ويفضله، وينبذ ما تعافه الطبيعة وتشمئز منه، وهذا الوصف يميزه عن الحيوان في الأكل واللبس، والفكر والخيال، ويقوى الشوق في الإنسان قوة العمل والمبادرة وينميها، ويطور فيه قوة اقتحام المشاكل والمتاعب والمثابرة عليها، والصبر لدى كل مكروه في سبيل حبه، ولو كلف ذلك حياته، وقد قال الشاعر العربي الجاهلي سموؤل:
يقرب حب الموت آجالنا لنا
وتكرهه آجالهم فتطول
ويصف شاعر عربي آخر قوة التمييز والذوق بقوله:
ومن يجعل المعروف في غير أهله
يكن حمده ذما عليه ويندم
ومن يغترب يحسب عدواً صديقه
ومن لا يكرم نفسه لا يكرم
لسان الفتى نصف ونصف فؤاده
فلم يبق إلا صورة اللحم والدم
فتتلخص قصة العصر الحاضرفي كلمتين: فساد الذوق، ونقص الشوق، وقد كان الإسلام قد نمى هاتين القوتين في المسلم، فخلق فيه قوة قاهرة للتمييز بين الأديان السائدة والأفكار المعاصرة التي كانت تملك العقول والأذهان، وقوة الشوق التي تعدت إلى الحنين إلى الشهادة التي غلبت على كل قوة وكل ولاء.
إن تحويل الإنسان من صورة اللحم والدم إلى الإنسان الحقيقي ذي القلب والروح وإعادته إلى مكانة الشرف والسيادة، المتسمة بآيات الإنسانية والنبل، هو المهمة القصوى التي يجب أن تتحقق قبل كل مجهود، والوسيلة التي يحب أن يلجأ إليها قبل كل اللجوء إلى وسائل أخرى على المستوى القومي والاجتماعي والسياسي والديني.
(محمد واضح رشيد الحسني الندوي)