الجاحة إلى تنمية الشعور الإسلامي
28 July, 2025أمراض المجتمع وعلاجها (12)
28 July, 2025العاقل من يوازن بين خسارته وربحه
محمد الحسني رحمه الله
إن العاقل من يوازن بين خسارته وربحه، ويبتغي ما فيه نفعه وفائدته، ولا يخاف في ذلك لومة لائم، ولا يبالي بسخرية الذين في قلوبهم مرض، والسفيه من يخشى الناس ولا يخشى الله، ويبتغي المتعة الرخيصة واللذة العابرة، والشهرة الكاذبة، وينسى لقاء ربه واليوم الآخر حتى لا يقال أنه “رجعي” أو “متزمت” أو “درويش”، إن القرآن يشير إلى هذه الحقيقة إذ يقول “فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ” [المطففين:34–36].
إننا إذا قارنا بين الدنيا والآخرة مقارنة رجل عاقل منصف، تجلى لنا أن هذه الدنيا وما فيها ذرة حقيرة تائهة في العالم الروحي الكبير الذي لا يعلم مداه ولا يعلم تفاصيله إلا الله، وهي لا تساوي جناح بعوضة عند الله تعالى كما جاء في الحديث الشريف، وأن هذا العمر القصير الذي ناله الإنسان ليس إلا دقائق وثوان مقابل تلك الحياة الخالدة التي يصفها القرآن “لاَ يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلاَ الْمَوْتَةَ الْأُولَى” [الدخان:56] وأن هذا النعيم والرخاء الذي نعده آخر ما وصل إليه النبوغ البشري، والذكاء الإنساني، وآخر ما أنتجته القرائح البشرية والوسائل المادية حلم من الأحلام أمام ذلك النعيم الذي يجده الإنسان في حياة الآخرة، يقول القرآن: “وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ” [الزخرف:71]، ويصفه الحديث فيقول “ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر” وأن آلام هذه الحياة ومصائبها نعمة وراحة أمام عذاب الآخرة الذي يصور القرآن بعض نواحيه فيقول: “خُذُوهُ فَغُلُّوهُ ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ إِنّهُ كَانَ لاَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ وَلاَ يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ وَلاَ طَعَامٌ إِلاَ مِنْ غِسْلِينٍ لاَ يَأْكُلُهُ إِلاَ الْخَاطِئُونَ” [الحاقة:30–37].
ألا يجدر بالإنسان العاقل بعد هذا أن يكرس سائر جهوده وقواه على شيء واحد، وهو نيل رضا الله في الدنيا والآخرة، وابتغاء وجهه في كل عمل، وأن يكون أكبر همه الآخرة، وتتسم حياته كلها بهذا الطابع حتى يعرفه الناس ويتأثروا بأخلاقه وكرمه، وعفته ونزاهته، ومروءته وشهامته، وصموده أمام الباطل، وخضوعه واستسلامه للحق، وحبه الخالص لله تعالى، وحنينه إلى الجنة، وخشيته من عذاب الناس وعذاب القبر، ونجواته وصلواته في الليل، وكفاحه وجهاده في النهار، واستخفافه بالمظاهر الجوفاء وأبهة الملوك والأمراء والأغنياء، وقلقه واضطرابه على مصيرهم وعاقبتهم.
ذلك هو العاقل الذي عرف ربحه وخسارته، ونفعه وضرره، وعرف سر الحياة، وسر الوجود، وغاية خلق الإنسان وخلق العالم، وتجلت له العظمة الإلهية وذاق لذة الإيمان، ولذة الحب، ولذة المعرفة ولذة الصلة بالله، وهي لذة لا لذة بعدها ولا قبلها.