الإخلاص شرط قبول العمل عند الله
20 July, 2025وصايا نبوية وتربية إيمانية
عبد الرشيد الندوي
عن عبدِ اللهِ بنِ عبّاسٍ رضي اللهُ عنهما قالَ: كُنتُ خلْفَ النّبيِّ صلّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يومًا، فقالَ:
«يا غُلامُ، إنِّي أُعلِّمُكَ كلماتٍ: احفَظِ اللهَ يحفَظْكَ، احفَظِ اللهَ تجِدهُ تُجاهَكَ، إذا سَألتَ فاسأَلِ اللهَ، وإذا استَعَنتَ فاستَعِنْ باللهِ، واعْلَمْ أنَّ الأُمّةَ لوِ اجتَمَعوا على أنْ ينفَعوكَ بشيءٍ، لم ينفَعوكَ إلّا بشيءٍ قد كتَبَهُ اللهُ لَكَ، وإنِ اجتَمَعوا على أنْ يضُرّوكَ بشيءٍ، لم يضُرّوكَ إلّا بشيءٍ قد كتَبَهُ اللهُ علَيكَ، رُفِعَتِ الأقلامُ، وجفّتِ الصُّحُفُ».
تخريج الحديث: أخرجه الترمذي (2516) واللفظ له، وأحمد (2669) والضياء المقدسي في الأحاديث المختارة (10/23)
شرح الحديث: إن هذا الحديث الجليل من جوامع الكلم وروائع الحكم، يشتمل على أصول الدين ومقامات الإحسان ومنارات اليقين. وهو حديث يرسي قواعد الحياة المؤمنة المتصلة بالله، المطمئنة بحفظه، المعتصمة بركنه الشديد، ويبين معالم الهدى واليقين والرشد والسداد.
فيه دعوة إلى حفظ حدود الله والتمسك بشريعته، فمن حفظ الله حفظه الله في دينه ونفسه وأهله وماله، وأكرمه بالعناية والتسديد والتوفيق.
وفيه بيان أن من لازم طاعة الله، وراقبه، وداوم على ذكره وجد الله معه في كل حال، يحوطه برحمته، ويهديه بنوره، ويشمله بمعيته.
وفيه الدعوة إلى التعلق بالله في السؤال، والاعتماد عليه في الاستعانة، والإعراض عن التعلق بالمخلوقين؛ فالله وحده هو الذي بيده العطاء والمنع والنفع والضر، فلا يُطلب شيء إلا منه، ولا يُرجى فرج إلا من عنده.
وفيه تأسيس راسخ للإيمان بالقدر، وأن ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، وأن ما أصاب العبد لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه. فالأقلام قد رُفعت، والصحف قد جفّت، وكل ما يجري في الكون إنما هو بمشيئة الله وعلمه السابق. وهذا يغرس في القلب الطمأنينة والرضا، ويفتح للعبد باب التحرر من الخوف والتذلل للمخلوقين.
وفي الحديث أيضًا إشارات تربوية رفيعة، فقد خاطب النبي صلى الله عليه وسلم ابن عباس رضي الله عنهما بعبارات ملؤها الحنان والمودة “يا غلام”، مما يدل على أن التربية الحقة لا تكون بالجفوة والقسوة، بل بالرفق واللين والحكمة والرحمة.
وفيه تعليم الشباب أصول الإيمان منذ نعومة أظفارهم، وبناء شخصيتهم على التوكل والثقة بالله، والتجرد من العلائق الفانية.
إنه حديث لو عقلته القلوب، وأدركته العقول، وتربى عليه الأبناء، لكانوا عبادًا ربانيين، أقوياء في الحق، راسخين في الدين، لا تهزهم الفتن، ولا تزلزلهم المحن، ولا تستعبدهم الدنيا، بل يكونون أحرارًا بالله، ولله، ومع الله.