كتاب: الغزو الفكري: دراسة موضوعية

سكت الكلام
22 June, 2025
سكت الكلام
22 June, 2025

كتاب: الغزو الفكري: دراسة موضوعية

عبد الوهاب الشكوري

باحث في جامعة لكناؤ، الهند

كتاب “الغزو الفكري” يشتمل على محاضرات قيمة لفضيلة الأستاذ الشيخ محمد واضح رشيد الحسني الندوي – رحمه الله – حول الغزو الفكري، وطرق مواجهة هذا الغزو الخطير، وأهمية الفكر الإسلامي، وهو كتاب مهم وفريد في بابه، وقد قام الدكتور محمد وثيق الندوي (أستاذ التفسير والأدب العربي بكلية اللغة العربية وآدابها بدار العلوم لندوة العلماء ورئيس التحرير لصحيفة الرائد ) بجمع هذه المحاضرات وترتيبها بترتيب جامع أنيق. كما كتب كلمة الناشر سعادة الأستاذ الشيخ جعفر مسعود الحسني الندوي – رحمه الله – واعتنى بطبع هذا الكتاب ونشرها من دار الرشيد، لكناؤ – الهند– ونستطيع أن نقول إن هذا الكتاب سلسلة ذهبية من الكتب الفكرية المهمة التي ألفت حول الغزو الفكري، منها كتاب ( ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين ) وكتاب ( الصراع بين الفكرة الإسلامية والفكرة الغربية في الاقطار الإسلامية) للعلامة أبي الحسن علي الحسني الندوي – رحمه الله – وكتاب (الفكر الإسلامي الحديث في مواجهة الأفكار الغربية) للدكتور محمد المبارك وكتاب (أساليب الغزو الفكري ) للدكتور علي الجريشه، وكتاب (الفكر الإسلامي الحديث وصلته بالاستعمار) لمحمد البهي.

ومن المعلوم أن معرفة الغزو الفكري مهم جدا لأنه يستهدف الإيمان والدين والعقائد وقد يترك آثارا مخربة في الفكر والعقيدة.

وأما تعريف الغزو الفكري: فهو مصطلح حديث يدل على هجوم الأعداء على أمة من الأمم بأساليب جديدة للاستيلاء على أمة أخرى والتأثير عليها، والغزو الفكري أكبر خطرا من الغزو العسكري لأن العدو يدخل والإنسان لا يشعر وقد يترك آثارا سيئة على الأمة لأنه يستهدف الأفكار والعقائد والشريعة والأخلاق والأحاسيس وتصبح الأمة تشعر بأمراض روحية وفكرية.

وقد ذكر الأستاذ واضح رشيد الحسني –رحمه الله– الفرق بين الغزو العسكري والغزو الفكري وهو يقول: في الغزو العسكري يستخدم الجيش والسلاح للاستيلاء على الأراضي، وعلى سكان الاراضي، وفي الغزو الفكري يستهدف الغازي الاستيلاء على الأذهان، وتفكير سكان بلد من البلدان. الغزو العسكري ينتهي بجلاء القوات الغازية، وأما الغزو الفكري فهو يبقى سواء بقيت القوات الغازية، أم رحلت، فإذا تم الغزو الفكر لشعب من الشعوب، فإن هذا الشعب يبقى مواليا ومتبعا للغازي، وإن انحسر ظله، فهو يحكمه ويسيطر عليه من وراء البحار، ومن وراء الستار.

ثم يتحدث الأستاذ واضح رشيد الحسني عن بداية فكر الغزو الفكري وهو يقول:

“بدأ فكر الغزو الفكري بعد فشل أوروبا في الحروب الصليبية، التي دامت من القرن الحادي عشر الميلادي، إلى القرن الثالث عشر، وعندما اعترفوا بالفشل توجهوا إلى استخدام وسائل الغزو العلمي والفكري وتمسكوا بكسب العلم والمعرفة واستخدام المعلومات والآلات للتاثير على العقول والأفكار، وأول من وجه إلى سلاح العلم هو لويس التاسع الفرنسي” (محمد واضح رشيد الحسني، الغزو الفكري، ص 31).

ثم تحدث الأستاذ واضح رشيد الحسني – رحمه الله – عن الحضارة الغربية المعاصرة وخطرها وقال: ” إن الحضارة التي نقصدها هي الحضارة الغربية التي نشأت في أوربا خلال النهضة الأخيرة، الحضارة التي غزت العالم الإسلامي سياسيا وفكريا وثقافيا، خلال القرن التاسع عشر، واستعمرت معظم أنحائه إلى منتصف القرن العشرين، ولا تزال مذاهبها وفلسفاتها تسود فيها بشكل من الأشكال، رغم انحسار الاستعمال العسكري، وعندما نبحث في الحضارة يجب أن نبحث في تصور أصحاب الحضارة عن الحياة، والإنسان، والكون، وخالق هذا الإنسان، والقيم الأساسية التي تنطلق منها واهدافها، (المرجع السابق، ص 59)

وتحدث الأستاذ واضح رشيد بالتفصيل في الباب الثالث، عن تغريب المسلمين ووسائل التغريب. وعالج الغزو الثقافي ودوره في تغيير عادات المسلمين وإبعادهم عن تاريخهم المشرق، ثم ألقى الضوء على حركة التشكيك التي بدأها الغرب لإيجاد الشك في عقائد المسلمين. يقول الأستاذ واضح رشيد الحسني رحمه الله وهو يشير إلى عملية التشكيك من جانب أوروبا:

“وادرك هولاء القادة الغربيون أنه لا سبيل إلى تحقيق هذه الأهداف إلا بقطع الحبل الذي يربط المسلمين بهذه المصادر، وهو الشعور بالقدسية، والأصالة، فعملوا على تحقيق هذا الهدف بطرق مختلفة، منها محاربة اللغة العربية الفصحى، والتشكيك في نقل هذه المصادر، وإثارة قضايا علمية تاريخية فيها، والهجوم على ذات الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، والصحابة الكرام، والهجوم على تاريخ الإسلامي وأمجاده” (المرجع السابق، ص82–83 ).

وهولاء لم يكتفوا بهذا، بل قاموا بنشر المقالات، والمباحث ضد القرآن، والحديث والحضارة الإسلامية ما يسبب إيجاد الشك في أذهان المسلمين، وجعلوا هذه المقالات والبحوث في المناهج الدراسية في الغرب والشرق. وهذه الخطط أدت إلى فكرة الاستشراق، وهولاء أنكروا قدسية القرآن، ورسالة النبي صلى الله عليه وسلم، والإيمان بالقدر والآخرة، ورموا آراء مسمومة في أفكار المسلمين.

ثم جاء الأستاذ رحمه الله بمبحث حول “التنصير” وجذورها الفكرية والعقائدية وجهود المستشرقين في هذه الحركة الخطيرة وذكر ” أن التنصير هي حركة سياسية استعمارية بدأت بالظهور إثر فشل الحروب الصليبية بغية نشر النصرانية بين الأمم المختلفة في دول العالم الثالت بعامة وبين المسلمين بخاصة بهدف إحكام السيطرة على هذه الشعوب” (المرجع السابق، ص 106).

ثم تكلم عن بداية تأسيس هذه الحركة وأبرز شخصياتها والجمعيات والمؤسسات التبشيرية التابعة لها.

ثم تكلم الاستاذ واضح رشيد الحسني عن مبحث مهم وموضوع حياتي وهو موضوع الأفكار والنظريات الغربية التي أثرت على العالم الإسلامي، وتركت نتائج سيئة في العالم الإسلامي، وهي نظرية القومية والوطنية والإقليمية والعنصرية، التي هدمت صفوف الوحدة والعرقية الإسلامية.

وفي الباب الأخير من هذا الكتاب القيم قدم الاستاذ بحثا قيما حول الصحوة الإسلامية وجهود المفكرين الإسلاميين الذين قاموا سدا منيعا أمام تيار الغزو الفكري وقاموا بتضحيات كبيرة في هذا الميدان.