الرائد تدخل في عامها السابع والستين

أخونا الحبيب جعفر مسعود الحسني الندوي رحمه الله
8 أبريل, 2025

الرائد تدخل في عامها السابع والستين

فضيلة الشيخ بلال عبد الحي الحسني الندوي

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان علي سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين!

وبعد، فبهذا العدد تدخل صحيفة “الرائد” عامها السابع والستين، كما ندخل العام الهجري الجديد بحلول شهر محرم الحرام، وقد فقدنا أعلامًا في هذه السنين الماضية، فقدنا قبل خمسة أشهر عالمًا، مفكرًا، أديبًا، داعيًا بقلمه ولسانه، وهو الأستاذ جعفر مسعود الحسني الندوي رئيس تحرير هذه الصحيفة، كانت كلماته موجهة راشدة جذابة للقلوب، وكان أصحاب الفكر والدعوة ينتظرونها، وبعضهم يقرأون علي جمع من أهلهم وذويهم، ويستفيدون من هذا المنهل الفياض، وقبل سنتين فقدنا علمًا من أعلام العالم الإسلامي ومفكرًا بصيرًا ومرشدًا للأمة الإسلامية، وداعية كبيرًا، وهو رئيس ندوة العلماء العام ومنشئ هذه الصحيفة العلامة الشيخ محمد الرابع الحسني الندوي رحمه الله، إنه أنشأ هذه الصحيفة قبل 66 سنة في ظروف قاسية، وقد تحمل في سبيل ذلك كثيرًا من المشاق، ولكنه أرشد بكلماته الأمة الإسلامية العربية، ووجهها إلي الوسطية والاعتدال، وطريق الحق والصواب، يقول في افتتاحيته لهذه الصحيفة حينما دخلت عامها الخامس والخمسين:

” لقد أدت صحيفة “الرائد” مسئولية الصحافة الإسلامية في فترات حياتها الماضية المختلفة، وذلك بتبصير قرائها للقضايا الإسلامية، وتأييد الحق، ومحاربة الظلم الذي واجهته فئات إسلامية مختلفة في مختلف ديارها وأوطانها، وبالنقد والرد علي العلمانية التي تخاصم الفكرة الإسلامية، وبتوجيه النشء الإسلامي إلي ما يليق به من اختيار المبادئ الإسلامية للتعايش السلمي، ومراعاة الظروف والأوضاع مع المحافظة علي خصائص السيرة الإسلامية الصالحة والمبادئ الرشيدة.

وكان كل ذلك تنفيذًا لفكرة “إلي الإسلام من جديد” التي تبناها المفكر الإسلامي الجليل العلامة الشيخ أبو الحسن علي الحسني الندوي رحمه الله رئيس ندوة العلماء العام التي تصدر منها صحافتنا الإسلامية، نادي سماحته بهذه الفكرة وأوضحها في مقالاته ومحاضراته مشيرًا إلي أن الجاهلية قد عادت إلي الناس، فلابد من محاربتها، إنها كانت في أولها جاهلية أمية، والآن تطورت وأصبحت مستنداً إلي العلم، وتزعمها رجالات العلم تحت عنوان “التقدم والعلمانية” فجاءت أخطر من السابق، ولقد شرح سماحته فكرته في ذلك، ودعا إلي العودة إلي الإسلام من جديد بمنهج عملي جديد، وفكرة إسلامية جديدة، ولكن مقتبسة من كتاب الله وسنة نبيه الكريم محمد بن عبد الله الأمين صلي الله عليه وسلم، فإن العالم كله أصبح يعاني من شرور هذه الجاهلية التي تنشد أن تنخر جسد الإسلام الصحيح السليم، وتجعل الحياة الإنسانية بؤرة فساد وإباحية وانحلال، وتأتي بالطغاة والمفسدين في الأرض، وتسلطهم علي الإنسانية، وإن كل ذلك يقتضي أن نستخدم وسائل مؤثرة لصد الشر الصادر منها، ولإعادة الأحوال إلي منهجها الإنساني السديد، فالصحافة الصادرة من ندوة العلماء تسعي أن تلتزم بهذا المنهج تحت فكرة رئيسها الراحل العظيم سماحة الشيخ أبي الحسن علي الحسني الندوي رحمه الله تعالي.

وقد قاست صحيفة “الرائد” سخطًا أيضًا من أصحاب المبادئ المعادية للإسلام، ولكنها صبرت عليها، والصحيفة عازمة على أن تبقى محتفظة بمبادئها الصحفية الإسلامية الراشدة، ولن تخضع لما يسود في العالم من الميوعة أمام القوي الباطلة التي تتجبر وتطغى لإحداث تحول في مذاهب الناس ونظرياتهم، والله ناصر ومعين للعاملين للحق”.

وفقدنا قبل خمس سنين المفكر الإسلامي الكبير والصحفي البارع العظيم فضيلة الأستاذ محمد واضح رشيد الحسني الندوي رحمه الله، كان رئيس تحرير هذه الصحيفة، كان ذا خبرة تامة، واطلاع واسع علي العالمين الإسلامي والعربي، والعالم الأوربي وتاريخه ودسائسه، فقد أفاد بعلمه الجم، وفكرته الغزيرة النيرة، كان يتألم لظروف العالم الإسلامي، وكان يكتب لا بيده؛ بل بقلبه المكلوم، فكانت كلماته تؤثر علي القلوب، وتنير العقول وتوجهها إلي الطريق السليم، كان كتب في احدي افتتاحياته في الرائد بمناسبة دخولها في عامها الثالث والخمسين:

“فإنه بتوفيق الله ونصرته تفتح صحيفة “الرائد” العربية الصادرة من مؤسسة الصحافة والنشر بندوة العلماء، مجلدها الثالث والخمسين، وقد أدت مسئوليتها الصحفية الإعلامية رغم معوقات وعقبات مادية وسياسية، كما تواجه الصحافة الإسلامية التي تقول الحق، وترفع صوت المظلوم، وتكشف القناع عن الظالم المتنكر، الذي يرتدي لباس الحضارة، ويملك اللباقة في عمل التزوير والمكر، وقد ظهرت في الفترة التي قضتها صحيفة “الرائد” وجوه بيضاء لم يظهر سوادها إلا بعد مدة طويلة من الخسائر التي لحقت بالأمة الإسلامية خاصة لسياساتها الخادعة، وظهرت أفكار مدلسة كانت بمثابة العسل الذي دس السم فيه، وخدعت هذه الأفكار اللماعة الشعوب مدة طويلة، ولم يظهر ما كان يشوبها أو يسري فيها من السم إلا بعد خسائر أصيبت بها الأمة الإسلامية.

كانت فترة خمسين سنة في تاريخ الأمة الإسلامية فترة بلاء ومحنة واختبار وذكاء وحكمة، وخاصة الأمة العربية التي كانت صحيفة “الرائد” تخاطبها، باعتبارها قادة العالم الإسلامي وأسوة القيادة الإسلامية لما ينظر إليها قادة العالم الإسلامي في آسيا وإفريقيا بنظرة احترام وإجلال وتقليد، ويعتبرها حتى العلماء والدعاة قدوة”.

ويقول:

“كان هدف ووظيفة هذه الصحيفة التي أصدرها الأستاذ محمد الرابع الحسني الندوي الذي نشأ في تربية ورعاية الشيخ أبي الحسن علي الحسني الندوي، وتبنى أفكاره، واحتضن عواطفه وهمه للأمة الإسلامية، هدف إنذار باستعراض الأوضاع الراهنة، وتسليط الضوء عليها برؤية إسلامية، وقد أدت هذه الصحيفة هذه المسئولية خير تأدية، وواصلت مسارها إلى أن دخلت في العام الثالث والخمسين من عمرها، وهي قائمة بواجبها، ومن يطالع مجلدات “الرائد” يطلع على الأحداث التي وقعت في العالم، ويشعر بحرارتها وضخامتها حتى اليوم، وكان موقفها إزاء الأحداث الأخيرة في العالم العربي إيجابيا، وكان لها معيار خاص لتحليل هذه الأحداث وموقفها إزاءها”.

وقد فقدت صحيفة “الرائد” حين دخلت في عامها العشرين احدي دعائمها الأساسية ومنشئ مجلة “البعث الإسلامي” فقيد الدعوة الإسلامية الأستاذ محمد الحسني رحمة الله عليه، ونشعر حتى الآن بحلاوة وروعة ما كتبه تحت عنوان” أضواء علي الطريق” وما كتب بعنوان “مع الحقيقة”، وانضم إلي هيئة تحريرها بعد وفاته نجله الأكبر الأستاذ عبد الله محمد الحسني الندوي، وتوفي هذا الداعية المربي قبل ثلاث عشرة سنة.

السابقين إلي الحقيقة منهجاً سبقوا إلي غرف الجنان ففازوا

والحمد لله على أن اسم أحد فرسانها وأحد دعائمها الأصيلة ومدير دار العلوم لندوة العلماء وأحد مؤسسي مجلة البعث الإسلامي الدكتور سعيد الأعظمي الندوي –حفظه الله تعالى وأبقاه ذخراً للإسلام والمسلمين – بصحة وعافية وسلامة وحبور، يلمع في سماء العلم والأدب.

ونحمد الله على أن صحيفة “الرائد” تسير علي ما اختاره لها مؤسسوها تحت إشراف العلامة الإمام أبي الحسن علي الحسني الندوي رحمة الله عليه، ولا تزال قائمة علي أصولها، ترفع صوت الحق، وتدافع عن المضطهدين، وتدعو إلي ترسيخ الصلة بين أبناء الأمة الإسلامية في الشرق والغرب، والحمد لله أولاً وآخرًا وظاهرًا وباطنًا، وصلى الله على النبي الكريم محمد وآله صحبه وسلم.

×