شعائر الله تعالى وتعظيمها (7)
26 يوليو, 2021العالم كله رمضان
26 يوليو, 2021الصامدون في وجه الاستعمار (4)
الشيخ شامل:
ولد الشيخ شامل الكمراوي الداغستاني في قرية بداغستان سنة 1212هـ/ 1797م، و نشأ فيها نشأة الأبطال الفرسان على أنه درس بعض العلوم الدينية من التفسير والحديث وقواعد اللغة العربية والشريعة الإسلامية، على مشايخ من بلاده، كما تتلمذ على علماء الطريقة النقشبندية التي كانت حاملة لراية الجهاد في القوقاز وآسيا الوسطى، وأمضى وقتًا في خيام القادة العسكريين، يتعلم سبل مواجهة هجوم أو شن غارة من الغارات، ويعتبر الباحث الفنلندي ليترنجر في كتابه “القوقاز تحالف غير مقدس”: ” أن شامل كان أقرب لنموذج من الرجال عاش لينفذ أوامر الله، منحته الصوفية قدرًا من ضبط النفس، والقدرة على التحليل، والتعلم من الماضي، والاعتقاد بدور الكاريزما في تسيير الشعوب، واليقين بأن الإسلام دين فوق القوميات”.
فخرج الشيخ شامل في داغستان من المشيخة إلى الإمارة، وتناول السيف من طريق القلم، وقد اختاره المريدون إمامًا بعد وفاة حمزة بيه في عام 1834م، فأعاد تنظيم جيش المريدين على نمط أعدائه القوزاق بشكل أشبه إلى التنسيق الفيدرالي الحديث، كما نظم العمل البريدي في دولته، وأمر بالإنفاق على الجيش من ربع الأراضي الزراعية التي ضمت إلى المساجد، كذلك نظم جمع الزكاة لتجهيز الجيش، وفي المقابل طرد الدراويش ولم يقبل عودتهم إلا كجند في جيشه.
وكان مجاهدًا من المجاهدين العظام، وأحد العلماء الصامدين في زمن اشتدت فيه الحاجة إلى العلماء الصامدين، وكان صاحب بصيرة لإدارة الحرب، فشمر عن ساق الجهاد، والتفّ حوله شعب داغستان في كفاحه ضد قوات الروس الغازية، فذبَّ عن حوضته 30/سنة ظفر فيها بالروس في وقائع عديدة، وألقى الرعب في قلوبهم، وأجلاهم من جميع البلاد إلا بعض الحصون التي ثبتوا فيها، وقد فتح في 1843-1844م جميع الحصون التي كانت لهم في الجيال.
وجندت روسيا كل قواتها لمحاربته، وصمد الشيخ شامل عشر سنوات، ولم يسلم المجاهد العظيم نفسه للروس إلا في 1859م بعد أن حوصر في خمسمائة من أتباعه فقط، من قبل جيش يقدر بأربعين ألف جندي، لأنه رأى أن حقن دماء من بقى من أتباعه أولى له بعد أن خانه عدد من أمراء داغستان، وخانته دولة الشراكسة القبركاي ،فأخذوه إلى روسيا،فبقي فيها مكرمًا تسع سنوات من قبل القيصر والقادة، ثم طلب من القيصر أن يسمح له بالحج، فوافق بعد تردُّد، فرافقته حملة روسية إلى أن خرج من حدودهم، فحجَّ ثم نزل بالمدينة المنورة واستقر فيها ثلاث سنوات، ثم انتقل إلى جوار ربه سنة 1871م.
واستأصلت الحكومة الروسية جميع ما كان من آثار الإمارة الأهلية، ولكن ثار الداغستانيون مرة أخرى على روسيا، واستعادوا إمارتهم، وفي عام 1917م قامت الحكومة البلشفية وضمت هذه المناطق إليها.
إن الشيخ شامل ومن معه كانوا من الصوفية النقشبندية الذين اشتهروا بالجهاد، وهي من أصفى الفرق الصوفية ومن أقلها بدعًا، وكان شامل ومن معه يسمون أنفسهم بـ”الحركة المريدية” وكانت أصول الحركة المريدية تقوم على الشدة، والقوة الفروسية، وعلى الأذكار والأوراد، وضع شامل نشيدًا جهاديًا جميلاً، ينشدونه في معاركهم، وقد وصفتهم الكاتبة الأمريكية “ليزا” في كتابها ” سيوف الجنة” وقالت فيه: “إن الشيشانيين كانوا يتقدمون للمعارك مع الروس، وهم يرتلون القرآن الكريم وينشدون أنشودة الموت التي تبعث فيهم الحماس والقوة”.
الأمير عبد القادر الجزائري = 1807م-1883م:
كان الأمير عبد القادر متضلعاً من العلم والأدب، سامي الفكر، راسخ القدم في التصوف، ذكر المؤرخون الأفرنج أن ملكته العلمية والدينية كانتا من أكبر أعوانه على تأسيس الحكومة التي أسسها، وإنه كان ينال باللسان ما قد يعجز عنه بالسنان.
ولد في 25/ سبتمبر 1807م في قرية القيطنة،وتلقى دروسه الابتدائية في مسقط رأسه تحت إشراف والده، وختم القرآن الكريم قبل أن يبلغ الحادية عشرة، وتعلم مبادئ شتى العلوم اللغوية والشرعية،وبعد الفراغ كلف بتحفيظ القرآن للأطفال، وإلقاء الدروس والتفسير في الزاوية، ومن أجل إتمام دراسته سافر عام 1821م إلى مدينة أرزيو الساحلية التي تقع شمال مدينة معسكر، على بعد حوالي سبعين كيلو متراً، ثم رحل إلى مدينة “وهران” وتوسع في المعارف اللغوية والفقهية والنحو والبيان والفلسفة والمنطق، وصقل ملكاته الأدبية والشعرية، واجتهد في حضور حلقات العلم لعلماء وهران، وقضى عامين في هذه الرحلة العلمية، وعاد إلى مسقط رأسه وتزوج بابنة عمه الآنسة خيرة بنت أبي طالب عام 1823م وأقام في القيطنة معلمًا.
وشجعه والده على الفروسية وركوب الخيل ومقارعة الأنداد والمشاركة في المسابقات التي تقام آنذاك فأظهر تفوقًا مدهشًا.
وفي عام 1830م تعرضت الجزائر للاحتلال الفرنسي وبدأ الجزائريون رحلة النضال ضد المحتل.
وبعد مبايعة الجزائريين له عام 1832م،وقف الأمير خطيبًا في مسجد معسكر أمام الجموع الكبيرة، فحثَّ الناس على الانضباط والالتزام، ودعاهم إلى الجهاد والعمل، وبعد الانصراف أرسل الأمير الرسل والرسائل إلى بقية القبائل والأعيان الذين لم يحضروا البيعة لإبلاغهم بذلك، ودعوتهم إلى مبايعته أسوة بمن أدى واجب الطاعة.
وعندما تولى عبد القادر الإمارة كانت الوضعية الاقتصادية والاجتماعية صعبة، لم يكن له المال الكافي لإقامة دعائم الدولة، وكان له معارضون لإمارته، ولكنه لم يفقد الامل إذ كان يدعو باستمرار إلى وحدة الصفوف وترك الخلافات الداخلية ونبذ الأغراض الشخصية… كان يعتبر منصبه تكليفا لا تشريفا، وفي نداء له بمسجد معسكر خطب قائلا:«اذا كنت قد رضيت بالامارة، فانما ليكون لي حق السير في الطليعة والسير بكم في المعارك في سبيل “الله”… “الإمارة ليست هدفي، فأنا مستعد لطاعة أيّ قائد آخر، ترونه أجدر منّي، وأقدر على قيادتكم، شريطة أن يلتزم خدمة الدّين وتحرير الوطن”
كان الأمير يرمي إلى هدفين: تكوين جيش منظم، وتأسيس دولة موحّدة، وكان مساعدوه في هذه المهمة مخلصون.. لقد بذل الأمير وأعوانه جهدًا كبيرًا لاستتباب الأمن، فبفضل نظام الشرطة الذي أنشأه قُضِي على قُطّاع الطرق الذين كانوا يهجمون على المسافرين ويتعدّون على الحرمات، فأصبح الناس يتنقّلون في أمان، وانعدمت السرقات.
واتخذ عبد القادر من مدينة المعسكر عاصمة له، وبدأ في تكوين الجيش والدولة، وحقق انتصارات ضد الفرنسيين،فأدت انتصارات عبد القادر إلى إجبار الفرنسيين على إبرام هدنة معه، فكانت اتفاقية تافنا عام 1838م التي اعترفت فيها فرنسا بسيادته على غرب ووسط الجزائر.
وشرع الأمير عبد القادر بعد هذه الاتفاقية في تشكيل الحكومة وتنظيم الدولة ومكافحة الفساد.
لكن تلك الاتفاقية كانت فرصة لفرنسا لالتقاط الأنفاس لتواصل بعد ذلك القتال ضد قوات الأمير عبد القادر، ومع وصول الإمدادات من الدول الأخرى،فشن الأمير عبد القادر الجهاد ضد فرنسا في 1839م واستمرت الحرب إلى 1843م بدون انقطاع، قام منها الأمير المقام المحمود، وقد كان بين الفريقين فارق كبير، فاستولى العدو على أكثر مدنه، وفي عام 1846م شن غارات جديدة، واستولى على مناطق،وبعد مقاومة مريرة اضطر الأمير عبد القادر وأنصاره للاستسلام للقوات الفرنسية عام 1847م بشرط السماح بانتقاله إلى الاسكندرية أو عكا، ولكن تم نقله إلى فرنسا وسجنه هناك.
ولكن رئيس الجمهورية الفرنسية لويس نابليون قرر لاحقًا إطلاق سراحه، فسافر إلى تركيا عام 1852م، ومنها إلى دمشق عام 1855م.
وفي عام 1860م وقعت فتنة طائفية في الشام بين الدروز والموارنة، وقد لعب الأمير عبد القادر دورًا بارزًا في احتواء الأزمة والتوسط بين الطرفين.
لم يكن جهاد الأمير عبد القادر ضد قوى الاستعمار بالجزائر، هو كل رصيده الإنساني، فقد ترك العديد من المؤلفات القيمة، وترجمت إلى عدة لغات.
توفي بدمشق في منتصف ليلة 23 مايو 1883م عن عمر يناهز 76 عاماً، وقد دفن بجوار الشيخ ابن عربي بالصالحية بدمشق لوصية تركها، وبعد استقلال الجزائر نقل جثمانه إلى الجزائر عام 1965م ودفن في مقبرة العالية في مربع الشهداء الذي لا يدفن فيه إلا الشخصيات الوطنية الكبيرة كالرؤساء.
محمد واضح رشيد الحسني الندوي