حديث عن النية نقطة مهمة تطلب الاهتمام بها في كل حين

لقاءات ومشاهدات في رحلة علمية للدول العربية (4)
6 يوليو, 2019
نحن المسلمين، بين الغابر والحاضر!
3 أغسطس, 2019

حديث عن النية نقطة مهمة تطلب الاهتمام بها في كل حين

كان من العادات المتبعة في دارنا العزيزة الكريمة، دار العلوم لندوة العلماء في بداية كل عام تعليمي ودعوي، ولاسيما في شهر شوال، أن تكون هناك كلمة توجيهية لطلبة العلم وأساتذتهم الكرام، وطالما كان شيخنا ومربينا سماحة العلامة الإمام أبو الحسن علي الحسني الندوي رئيس ندوة العلماء (رحمه الله تعالى) يتناول الطلاب المقيمين في رحاب دار العلوم بخطابه التوجيهي الذي كان يعتبر زاداً للجميع في بناء مستقبل لماع.

أذكر أنه ذات مرة بدأ خطابه ببيان الهدف الأسمى وشرحه أمام الجميع وقرأ حديث رسولنا العظيم الذي رواه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه حول نيات الناس من أعمالهم ونشاطاتهم: “إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى” والذي بدأ به الإمام البخاري جامعه الصحيح، فشرح أمام الحفل معاني النية، ولماذا جاءت الكلمة النبوية في هذا الحديث الصحيح بالجمع، ولم يكتف بمفرد هذه الكلمة (النية) فقط.

فقال فيما قال: نحن نعلم ونعلم أن النية على ضربين، النية الحسنة والنية السيئة، إلا أن هناك ضرباً ثالثاً للنية، وهو عدم النية حيث إننا نقوم بأعمال كثيرة من غير قصد ونية، فلا يكون لها تأثير مثل الأعمال التي تباشر باستحضار النية: وقال سماحته:

فمن أراد أن يشاهد هذا النوع الثالث فلينظر إلى مدارسنا الدينية اليوم حيث يتوافر هذا النوع من النوايا، ذاك أن عددا ًكبيراً من طلبة العلم يحضرون في هذه المدارس ويسجلون أسماءهم ضمن طلاب العلم إلا أنهم لا يعرفون غرضهم الأصيل من التحاقهم بالمدارس، فإذا سئلوا عن الغاية التي يتوخونها من خلال دخولهم في جوّ المدارس وإيثارهم الحياة فيها على المدارس والكليات الرسمية الكبيرة لم يحيروا جواباً على هذا السؤال بل وربما يكون من يعتبره مجرد عادة ورثها من أجيال المدارس فكأنهم جاءوا إليها من غير أن يكون لهم قصد خاص من اجتياز المراحل التي يمرون بها سوى تبعية العادة من غير أن يكومن هناك أي نوع من النوايا الحسنة أو السيئة، ولعل ذلك ما يعبر عنه بانعدام النية.

أما طلاب المدارس العصرية والكليات والجامعات التعليمية فإنهم ينوون ويقصدون من أول ما خطر ببالهم كسب العلوم والمعارف لإسعاد الحياة المادية أو الجمع بين سعادتي المعاش والثقافة، فهم لا يكونون مجردين عن التفكير في أي ناحية سوي اتباع العادة ليس غير.

لعل هذا التناسي للغاية المطلوبة لا يعم في أوساط طلابنا ومدارسنا، إلا من أجل تلك العادة الوراثية التي يرثها أبناؤنا من عموم بلوى التوارث للعادات والتقاليد التي تكون بمعزل عن الهدف الأصيل الذي ركز عليه سلفنا الصالح في جو المراكز العلمية والدينية، ومجالات الأعمال التي يمارسونها في نطاق الموضوعية فكانوا من صانعي التاريخ المشرق للحياة الإنسانية التي تقوم على أساس متين من التفكير في آيات الله المنتشرة في الآفاق، وقد صرح بذلك ربنا العظيم في كتابه السماوي الخالد قائلاً: “إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ” [آل عمران:190-191].

فلو كان تفكيرنا مركزاً على الغاية المطلوبة من العمل الذي ننجزه لم نعش في أي لحظة من الحياة مجردين عن التفكير في الغاية التي ننشدها، وهي لاشك تدعو قبل كل شيء إلى عقد النية المطلوبة من ذلك العمل والقصد المنشود من قضاء وقت غال كريم مما إذا مضى لم يعُدْ أبداً.

فما أحوجنا إلى إحضار النيات في الأعمال، و الفرار من كل عمل أو نشاط يقوم به المرء وهو لا يدري ما هو الغرض من ذلك، ولماذا يقضي لحظات حياته الغالية من غير عائد يعود إليه وبدون نية صالحة أو فاسدة.

أليس ذلك نقطة مهمة تنادينا إلى التفكير فيها والاهتمام بها في كل لحظة من الحياة، فهل نحقق هذا الواقع في مسيرة حياتنا؟ أم لا يزال حُلماً من الأحلام؟

(سعيد الأعظمي الندوي)

×