صلاح الكون بصلاح القلب
25 ديسمبر, 2024حاجة تطبيق الإسلام في الحياة
محمد خالد الباندوي الندوي
أخي العزيز!
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إن الدين – أيها الأخ – نظام شامل، له جهات متعددة وجوانب متنوعة، وقد ضرب الله مثلا رائعا للدين الإسلامي في كتابه المحكم وشبهه بشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء، ويرشدنا هذا المثل القرآني إلى فوائد عظيمة، ويهدينا إلى معاني جليلة ومن أهمها:
أولا: إنه دين طيب لا يقبل إلا طيبا، ولا يرفض إلا خبيثا، فجميع شرائعه وأحكامه طيبة يقبلها العقل السليم وتستسغيها الطبيعة الصافية، ولا يشمئز منها إلا من انحرف عن مقتضى الفطرة الصحيحة، وزاغ عن صراط الهدى الواضحة، وضل عن طريق العقل المرسومة.
ثانيا: إنه دين نزل في جذر القلوب وتأصل في النفوس، وبه عجنت طينة بني آدم وعلي منواله نسجت، وعلى حبه فطرت طبيعته، لا يقدر شيئ أن يقتلعه من أصله أو يزيله من معدنه، وإنه دين متدفق بالحياة لا يطرأ عليه الذبول ولا يغشاه الجمود، وإنه كالشجرة التي بسقت فروعها وتشابكت أغصانها حتى بلغت إلى عنان السماء وامتدت حتى غطت الحياة بشعبها المترامية وجوانبها المغدقة.
ثالثا: ومن أكرم وأفضل جوانب الدين الإسلامي “جانب النصيحة لعامة المسلمين” حتى أن النبي – صلى الله عليه وسلم – اعتبره وحده الدين، حيث قال: الدين النصحية قالها ثلاثا.
وإن النصيحة – أيها الأخ – ليست مجرد كلمات، بل هي أفعال تعكس التزام المسلم بقيم الإسلام في كل تعاملاته. وإنما هي سلوك إيجابي يمتلئ حبا وإخلاصا فإذا تشكلت النصيحة في قالب المرأ جاءت بالخيرات العميمة، وإذا تجسدت في التعاملات لأحدثت انقلابا في الحياة والكون. ونسوق فيما يلي قصة جرير بن عبد الله البجلي – رضي الله عنه – الذي كان من الصحابة المعروفين بالنصح والإخلاص، وإنه التزم بما أمره به حبيبه – صلى الله عليه وسلم – من النصح لكل مسلم طول حياته.
يقول النووي وهو يسرد القصة:
“اشترى جرير فرسًا من رجل، فسأل البائع عن ثمنه، فقال الرجل: 300 درهم. فقبل جرير، لكنه عندما نظر إلى الفرس ورأى جودته وقيمته، قال للبائع: “فرسك يستحق أكثر من ذلك، أترضى بـ 400 درهم؟” فوافق البائع. ثم قال جرير: “بل هو خير من ذلك، أترضى بـ 500 درهم؟” واستمر جرير يزيد في الثمن حتى بلغ 800 درهم، وهو السعر الذي رأى جرير أنه القيمة العادلة للفرس”، فسأله سائل عن سبب زيادته في المبلغ، فرد عليه قائلا: إنما دفعني عليه قول النبي –صلى الله عليه وسلم – “النصح لكل مسلم”.
استوحينا من خلال هذه القصة الرائعة أمرين يحتاج إليهما المجتمع المسلم في كل طور من أطواره نذكرهما فيما يلي:
- النصح والأمانة: جرير كان مثالاً حيًا للنصح، فلم يستغل جهل البائع بقيمة الفرس الحقيقية، بل أعطاه حقه كاملاً.
- التطبيق العملي للنصيحة: القصة تُظهر التزام جرير بمبدأ النصيحة الذي تعلّمه من النبي – صلى الله عليه وسلم – حيث لم يقتصر على الوعظ، بل عاش قيم الإسلام في حياته.
فنحن – أيها الأخ – في أشد حاجة إلى معرفة المبادئ الإسلامية ثم التطبيق العملي لتلك المعاني السامية، إذ المعرفة وحدها لا تثمر ولا تأتي بخير، حتى لا تتحقق في واقع الحياة، لذلك أمر الله سبحانه في كتابه بتطبيق الإسلام تطبيقا عمليا حيث قال: “يا أيها الذين آمنوالم تقولون ما لا تفعلون، كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون”.