من مواعظ عمر بن الخطاب رضي الله عنه
12 يناير, 2023القابض على الجمر
4 فبراير, 2023والقولُ ما قَالتْ حَذَامِ
د. أبو سحبان روح القدس
هذا بيت من الشعر أصبح مثلاً من الأمثال، يُضرب به للمفاضلة بين فرسي رِهان وترجيح أحدهما على آخر، جاء ذكره في كتب الأدب والأمثال والنحو وشرح الشواهد النحوية، والمعاجم وما إليها، وقد أورده ابن الحنبلي – وهو رضي الدين محمد بن إبراهيم الحلبي الحنفي المتوفى سنة 971هـ – مستشهدًا به في تقديم صحيح البخاري في الصحة على صحيح مسلم على قول الجمهور، وذلك في كتابه” قفو الأثر في صفو علوم الأثر” (ص: 54) من طبعة العلامة عبد الفتاح أبو غدة الثالثة ببيروت سنة 1430هـ واعتنائه به، وقد شرح الشيخُ هذا البيت من الشعر فأفاد وأجاد قائلاً:
“قوله: والقولُ ما قالت حَذَامِ.
هذا جزء من شطر بيت من الشعر، وكل من شطريه جرى مجرى المثل، وتمام البيت:
إذا قالت حَذَامِ فصدِّقوها
فإن القولَ ما قالت حَذَامِ”
وقال: “و(حَذامِ): اسم امرأة، معدولٌ عن (حاذمة)، بالذال المعجمة، والحَذْمُ: القطع السريع للشيء، يقال: حَذَمَهُ إذا قَطَعَه سريعًا”.
ثم ضبط الشيخ (حذام) وبيّن موقعه من الإعراب فقال:
“وحذام: بفتح الحاء وكسر الميم، مبنيٌ على الكسر في كل حال، أي في موضع الرفع والخفض والنصب، وكذلك كل اسم جاء على (فَعَالِ)، معدول عن (فاعلة)، ولا يدخله الألف واللام، ولا يُجمع، مثل (رَقاشِ)، و(ظَفَارِ)، و(غَلاَبِ)، و(فَجَارِ)، و(فَسَاقِ)، و(قَطَامِ)، كما في “لسان العرب” 6: 306 في (رقش).
وحكى الأزهري أبو منصور محمد بن أحمد (ت 370هـ) في “تهذيب اللغة” 1: 770 في (حَذَامِ) قول الليث – وهو ابن المظفر بن نصر بن سيّار صاحب الخليل – أن “حَذَامِ من أسماء النساء” وقال: “جرَّت العرب حَذَامِ في موضع الرفع لأنها مصروفة عن حاذمة، فلما صُرفت إلى فَعَالِ كُسرت، لأنهم وجدوا أكثر حالات المؤنث إلى الكسر كقولك: أنتِ، عليكِ، وكذلك فَجارِ، وفَسَاقِ”.
وقال: “وفيه قول آخر أن كل شيء عُدل من هذا الضرب عن وجهه يُحمل على إعراب الأصوات والحكايات من الزجر ونحوه مجرورًا كما يُقال في زجر البعير ياهٍ ياهٍ.
وقال ذو الرمة:
ينادي بيهياهٍ وياه كأنه
صُوَيتُ الرُّويعي ضلّ بالليل صاحبُه”.
ولتمام فهم البيت المذكور حكى الشيخ عبد الفتاح قصته واسم قائله قائلاً:
“فقائله: (لُجَيم بن صعب)، أو (وَسِيمُ بنُ طارق)، أو (دَيْسَمُ بن ظالم الأَعْصُرِي)، وكانت حَذام بنت الريَّان زوجتَه، وقال هذا البيت فيها”.
ثم نقل الشيخ عبد الفتاح ما أفاد به البدر العيني في كتابه “المقاصد النحوية في شرح شواهد الألفية”، المشهور باسم: شرح الشواهد الكبرى 4: 370.
“سُمِّيت حَذَامِ، لأن ضرَّتها البرشاءَ حذمت يدها بشفرة، وصبّت عليها حَذامِ جمرًا، فبرشت، فسمَّيت البرشاء.
وأضاف البدر العيني إفادة: “وكان عاطسُ الجُلاح الحميري – ملك حمير – قد سار إلى الرَّيَّان – أحد زعماء العرب – في جموع من خثعم وجُعفى وهمدان، فلقيهم الرَّيَّان في عشرين حيًّا من أحياء ربيعة ومُضر، فاقتتلوا، وصبروا، لا يولِّي أحدٌ منهم دُبَره، ثم إن القيل – الملك – الحميري رجع إلى معسكره، وهرب الرّيّان تحت ليلته، فسار ليلتَه ومن الغد، ونزل الثانية.
فلما أصبح عاطس الحميري ورأى خَلاءَ معسكر الريّان، أتبعهم جملةً من سُماة رجاله – أي فرسانه – وأهل الغناء منهم، فجدُّوا في اتّباعهم – ليلاً – فانتبه القطافي إسرائهم من وقع دوابّهم، فمرّت القطا على الريّان وأصحابه عُرفًا عُرفًا – أي سربًا بعد سرب – فخرجت حَذامِ بنتُ الريان إلى قومها فقالت:
ألا يا قومَنا ارتحلوا فسِيروا
فلو تُرك القطا ليلاً لَنامَا
فقال دَيْسَم بنُ ظالم الأعصري:
إذا قالت حَذَامِ فصدِّقوها
فإنّ القولَ ما قالت حَذَامِ
فارتحلوا حتى لحقُوا بالجبل، ويئس منهم أصحاب عاطس فرجعوا” انتهى.
قلتُ: أما “الأعصري” فضبطها السمعاني في “الأنساب” 1: 311 “بفتح الألف وسكون العين وضم الصاد المهملتين وفي آخرها الراء”.
وقال: “هذه النسبة إلى أعصر وهو لقب منبه بن سعد بن قيس بن غيلان.
وأضاف السمعاني قائلاً: “ويُقال لبني باهلة باهلة بن أعصر أيضًا”.
أما القَطَا فهو نوع من اليمام يؤثر الحياة في الصحراء ويتخذ أفحوصة في الأرض، ويطير جماعات ويقطع مسافات شاسعة، وبيضه مرقَّط، والجمع قطًا، وقطوات، وقطيات”. كذا في “المعجم الوسيط” في (قطا)، والأُفحوص: حفرة تحفرها القطاة أو الدجابة في الأرض لتبيض وترقد فيها، والجمع أفاحيص، كما في المصدر السابق في (فحص).
أما المرقَّط فهو مشتق من الرُّقطة: لون مؤلَّف من بياض وسواد، أو من حمرة وصفرة وغيرهما. والترقيط على الثوب: الرشّ عليه ما يبقع لونه. كذا فيما سبق من المصدر في (رقط).
وزاد صاحب “مختار الصحاح” فيما يتعلق بقطا زيادة حسنة حيث قال: “وفي المثل: “ليس قَطًا مثلَ قُطَيٍّ”، أي ليس الأكابر كالأصاغر”.