شعائر الله تعالى وتعظيمها

حبُّ الشيخ أبي الحسن علي الحسني الندوي للإنسانية ومنهجه في إصلاح المجتمع
9 يناير, 2021
إذا بلغ الرأي المشورة فاستعن برأي نصيح أو نصيحة حازم
9 يناير, 2021

شعائر الله تعالى وتعظيمها

[صدر أخيراً بقلم فضيلة الشيخ السيد محمد الرابع الحسني الندوي كتاب قيم حول شعائر الله تعالى وتعظيمها بالأردية، ونال قبولاً وتقديراً في الأوساط العلمية، فنظراً إلى أهمية الكتاب ننشر فصولا منه في صحيفتنا “الرائد” لتعميم الفائدة بعد نقلها إلى العربية.  رئيس التحرير]

قال الإمام العلامة أحمد بن عبد الرحيم المعروف بالشاه ولي الله الدهلوي -رحمه الله تعالى- في كتابه “حجة الله البالغة”: “ومعظم شعائر الله أربعة: القرآن، والكعبة، والنبي، والصلاة”، أي أن هذه الشعائر الأربع أمور عظيمة مختصة بالله تعالى، وهي تستحق أن تُعظَّم حق تعظيمها في الدنيا، وعندما يصير شيء أو أمر مختصاً بذات الله تعالى، يكون مستحقاً للتعظيم والاحترام كتعظيم الله بذاته وتقديره، فإن هذه الأمور الأربعة قد اختصت بالله تعالى، وتعتبر من شعائره عزوجل، ولذلك زادت تعظيماً وقداسة.

و”الشعيرة” في اللغة مشتقة من “شعار”، و”شعار” ما ولي جسد الإنسان دون ما سواه من الثياب، كالفستان والقميص والسروال دون لبس المعاطف والجاكيت أو الرداء، وهي أشياء لا يستخدمها الإنسان إلا عند الحاجة إليها، ولا يلبسها كل وقت، فالثوب الذي يلي الجسد مباشرة يقال له في العربية “شعار” وكذلك الأمور الدينية التي لها صلة مباشرة بالله تعالى، تُعَدُّ من الشعائر الدينية، ولذلك يقال لبعض مناسك الحج وأعماله “شعائر الحج”، ويجب على كل مسلم أن يعظم شعائر الله لكونها مختصة بذات الله تعالى مباشرة، فقد ورد في القرآن الكريم: “وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ” [الحج:32] ومعنى “التقوى”: الحيطة والوقاية والحفظ، وصيانة الإنسان نفسه من المعاصي والآثام والعادات السيئة هي التقوى، فالاتقاء والابتعاد من كل سوء، ومعصية الله تعالى والانتهاء عما نهى عنه عزوجل، ومما يكرهه، داخل في مفهوم التقوى، فتبيَّن من ذلك أن أصل التقوى أن يكون القلب معموراً باحترام وتعظيم كل ما له اختصاص وصلة بالله تعالى.

الشعيرة الأولى:

يجب أن نهتمّ اهتماماً بالغاً بالأمور الأربعة العظيمة التي تعدّ من شعائر الله تعالى، وأن نرتبط بها ارتباطاً عميقاً مخلصاً بنية طيبة، وإن القرآن الكريم هو كلام الله تعالى، وله صلة مباشرة به عز وجل، فلذلك داخل في شعائر الله العظيمة المقدسة، ولقد أنزله ليتوجه الناس إلى الله خالق الكون ويعبدوه مخلصين له الدين حنفاء غير مشركين به،وقد بيّن القرآن الكريم كيف يتعامل الناس بعضهم مع بعض، وإن التعاليم القرآنية تهدى الحياة الإنسانية إلى الصراط المستقيم، يقول الله تبارك وتعالى: “إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ” [الإسراء:9].

الشعيرة الثانية:

وأما الكعبة، فهي أيضاً من شعائر الله العظيمة، تنزل بها الأنوار الإلهية كل وقت، وتنسب إلى الله تعالى فيقال: “بيت الله” فيجب احترامها وتعظيمها، كما يجب أن نعتبر التقرب إليها ذريعة للفوز والفلاح في الدنيا والآخرة، ومن تعظيمها أن نحجها ونطوف بها؛ لأن الطواف بها أفضل من النوافل، ومن لا يستطيع الطواف بها فعليه أن ينظر إليها مستقبلاً إياها، ويكحل عينيه بنورها، وهذا من تعظيمها أيضاً، وبذلك يترقى الإنسان من ناحية الروحانية وقد جعل الله تعالى الكعبة للناس ملجأً ومركزاً للأمن والسلامة: “وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا” [البقرة:125].

الشعيرة الثالثة:

وتعظيم النبي صلى الله عليه وسلم من شعائر الله تعالى، وقد جعل حبه وطاعته مرتبطاً باتباع رسوله وطاعته، فيقول: “قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ” [آل عمران:31] فيتضح من هذه الآية القرآنية ما للنبي صلى الله عليه وسلم من مكانة عظيمة ودرجة رفيعة عند الله تعالى، وقد خوطب المسلمون  في موضع آخر من القرآن بصراحة: “لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ” [الأحزاب:21].

لقد جعله الله تعالى إنساناً كاملاً، كمثل كامل يدرك به الإنسان كنه الأشياء، ويتدبر كيف يحاكيه، كذلك جعله الله تعالى مثلاً أعلى للإنسان، فكل من يريد أن يكون أفضل شخص فعليه أن يأتسى بأسوة الرسول صلى الله عليه وسلم، ويستن بسننه ويختار طريقته، فيكون محبوباً ومقبولاً عند الله ومقرباً إليه وذاك أن الله تعالى اختص بشخصيته صلى الله عليه وسلم.

وكان صلى الله عليه وسلم رغم كونه بشراً، نبياً مرسلاً، والنبي يتولاه اللهُ برعايته وهدايته مباشرة، وخطأ النبي لا يكون خطأ، وإذا صدر منه أمر خاطئ برأيه الشخصي، أتاه تحذير وتنبيه من الله على خطئه في إصدار أمر أو اتخاذ قرار، أنك أخطأت، لا تفعل ذلك، بل افعل هكذا، فالله تعالى يتولى النبيَّ برعايته وتوجيهه، ولذلك لا يصدر من النبي خطأ.

الشعيرة الرابعة:

ومن شعائر الله تعالى: الصلاة، وقد ورد ذكر الصلاة مقروناً بذكر الإيمان في كل موضع في القرآن، يقول: “وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ” [الروم:31]، ويقول: “وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي” [طه:14]، وجاء في الحديث النبوي الشريف: “بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة” (مسلم، كتاب الإيمان، باب إطلاق الكفر على من ترك الصلاة: 256).

فإن الفارق بين المسلم والكافر هو الصلاة، كأنه قيل أنه لا يترك الصلاة إلا من كفر، والمسلم لا يتوقع منه أن يترك الصلاة، لأنه لا يليق بشأنه لأن للصلاة اختصاصاً بالله تعالى، فقد ورد أن الصلاة معراج المؤمن” (شرح سنن أبي ماجه للسيوطي، كتاب الطهارة، باب ذكر التوبة: 4239).

فالصلاة تعني حضور العبد ومثوله بين يدي ربه، وبها يتقرب إليه كما يمثل العبيد بين يدي سيدهم، فلا تسأل عن لذة من تعلَّم كيفية التقرب إلى ربه والمثول بين يديه بالصلاة، وإن العمل بالأمر قائم، ولكن ما أعز وأكرم من شرفه الله ووفقه للحضور بين يديه ولكن ذلك لا يمكن إلا إذا اعتقد به الرجل هكذا، وذاك أن تلك اللذة والكيفية مقتصرة على إيمانه واعتقاده.

وفي الحلقات الآتية سنبحث هذه الأمور الأربعة من شعائر الله بشيء من التفصيل والإيضاح، إن شاء الله تعالى(يتبع).

 

فضيلة الشيخ محمد الرابع الحسني الندوي

×