ولد الهدى فالكائنات ضياء
12 نوفمبر, 2020حبُّ الشيخ أبي الحسن علي الحسني الندوي للإنسانية ومنهجه في إصلاح المجتمع
9 يناير, 2021عاصفة يواجهها العالم الإسلامي والعربي (6)
تركيز القيادات الأجنبية عنايتها على إضعاف هذا المركز الروحي والقيادي للعالم الإسلامي وأسبابه:
أما السبب الخارجي فهو أن الأجانب والقيادات الغربية الداهية المحاربة للإسلام، قد ركزت كل جهدها وذكائها على إضعاف هذه الأقطار، التي كانت مصدراً للإشعاع الإسلامي، ومركزاً لقوة الإسلام، وكانت بمنزلة القلب للعالم الإسلامي كله، وعرفت أنها إذا خضعت لهذه الدعايات والتعليمات، وانتشرت فيها الفوضى الفكرية، والاضطراب العقائدي، والفساد الخلقي، وتخلت عن مركزها القيادي للعالم الإسلامي، وقطعت صلتها عن العالم الإسلامي، فإنهم قد نجحوا أكبر نجاح، وفتحوا أكبر حصن من حصون الإسلام، واستطاعوا أن يسيطروا على العالم الإسلامي كله، وانتقموا من أولئك الدعاة، والغزاة، والفاتحين الذين أدخلوا أبعد البلاد في الإسلام، وسلبوا الدولة البزنطية المسيحية أفضل ممتلكاتها، وهزموا المسيحية في ميدان القتال، والعلم والحضارة.
ومما زاد هذا الجزء من العالم الإسلامي أهمية في نظر القيادات الغربية، وجعلها تركز عنايتها على إضعافه، موقعه الجغرافي والعسكري (الاستراتيجي) الذي لا يصرف عنه النظر في خارطة العالم السياسية، وفي حرب لا يستبعد وقوعها في المستقبل، ووجود أكبر مقدار من الذهب الأسود (البترول) الذي يعتبر الوريد في عملية الحرب والصناعة في وقت واحد، وإضافة إلى كل ذلك ارتباط قضية فلسطين، ومصير دولة إسرائيل بهذه الشعوب الإسلامية العربية، وبهذه المنطقة التي تقع في حوض البحر الأبيض المتوسط، ارتباطاً سياسياً ودينياً، وعاطفياً، وعقائدياً، لذلك كله ركزت اليهودية العالمية، والماسونية، وما ينبثق عنها من تنظيمات وندوات ومجامع، نشاطها وذكاؤها على التسرب إلى مراكز القيادة والتوجيه في هذه المنطقة، والسيطرة على قادتها وزعمائها، واستخدامهم لمصالحها من حيث يشعرون ومن حيث لا يشعرون، فما عرف لهذه المؤسسات اليهودية والمسيحية السرية نشاط في الشرق الأقصى وفي شبه القارة الهندية – على سعتها وأهميتها – من زمن طويل مثل ما عرف في هذه المنطقة التي تحتل المكانة الأولى في مخططاتها السياسية والدينية وا لتوسعية.
الحاجة إلى صوغ نظام التربية صوغاً جديداً، ونقل مركز التوجيه من الغرب إلى الشرق:
ولا سبيل إلى وقف هذا المد من الردة الفكرية والعقائدية التي بدأت – بحكم الوسائل الكثيرة المتنوعة التي تملكها الحكومات في هذا العصر لإنشاء الأجيال وتكوين جديد لعقليتها، والتأثير في ميول الجمهور وأذواقهم – تخرج من نطاقها المحدود، وتصوغ المجتمع صوغاً جديداً إلا أمران لا ثالث لهما، الأول صوغ نظام التعليم الذي يربى قادة البلاد والموجهين للمجتمع صوغاً جديداً شاملاً للمواد الدراسية كلها، وإقصاء جميع العناصر التي تفقد الثقة بصلاحية الإسلام، وخلود رسالته، وتحدث البلبلة الفكرية والاضطراب العقائدي، والتناقض في الحياة والنفاق في الأخلاق، ونقل مركز عملية التكوين الفكري والتثقيف العالي، من الغرب المحارب للإسلام المتحرر من ربقة الدين، الثائر على القيم الحلقية، إلى الشرق الإسلامي، ومن أساتذة ومربين متشككين مشككين، إلى أساتذة ومربين مؤمنين متدينين، وما لم يتم صوغ هذا النظام – لا التلقيح والتلفيق – صوغاً جديداً، ونقل مركز التكوين والتربية، فسيظل نشوء هذا الطراز من القادة والزعماء ومجدفي السفينة باقياً مستمراً، وسيظل هذا الخطر جاثماً على صدر البلاد والشعوب الإسلامية، لا تزيله تضحيات المخلصين، ومحاولات الصالحين المستضعفين(1).
الهوامش:
(1) ليرجع للتفصيل إلى كتابنا “نحو التربية الإسلامية الحرة في البلاد الإسلامية” الطبعة الثانية، دار القلم دمشق.
(الشيخ أبو الحسن علي الحسني الندوي رحمه الله)