الأسوة الحسنة والإنسان

كيف ينبغي أن نعيش اليوم؟
9 نوفمبر, 2020
الجوهرة الإنسانية، هل يمثِّلها المسلمون؟!
3 فبراير, 2021

الأسوة الحسنة والإنسان

يتزيَّن تاريخ الإسلام بأسوة الرسول -صلى الله عليه وسلم-التي فيها غنى كبير لبناء الحياة الإنسانية على أسوة إنسانية مستقيمة، ولبناء المجتمع الإسلامي النموذجي في كل جزء من خلال تلك الأجزاء القيمة التي تزخر بها هذه الأسوة الحسنة التي تحدث عنها الله تعالى في كتابه فقال: “لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا” [الأحزاب:21].

ولقد مثَّل هذه الأسوة المباركة أصحاب رسول الله صلى الله عيله وسلم، ومن جاء بعدهم من الأتباع والعلماء والدعاة المخلصين حتى تزين العالم البشري بزينة الأسوة الحسنة، وأشرق العالم بنورها الساطع الدائم، وقد سجل التاريخ نموذجاً مثالياً للحياة الفردية والجماعية باتباع هذه الأسوة الحسنة التي أكرم الله سبحانه بها رسوله العظيم الذي أرسله “شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا” [الأحزاب:45-46].

لقد كان هذا السراج المنير نوراً ساطعاً للعالم أجمع، وللكائن البشري بوجه خاص، ولولاه لكان الظلام يغشى جميع جوانب الحياة والكون والإنسان، ولم يكن طريق واضح يستنير به الكائن البشري طريقه الواضح المبين، وغشيت الظلمات العالم بكامله،ولم يعد هنا ما يستفيد به الناس في قضاء حوائجهم الطبعية؛ بل كانوا كالبهائم تسوقهم الأهواء إلى حيث ما شاءت، بل أضلَّ من البهائم.

ومن ثمَّ كانت بعثة خاتم النبيين -عليه ألف ألف تحية وسلام-نعمة كبرى أنعم الله تعالى بها على الإنسان، ونوَّر بها الطريق نحو كرامته وعلو مكانته، وشرف خلقه، حتى أصبح مثالاً فريداً للأمة التي أخرجها الله تعالى للناس جميعاً ولقيادتهم إلى شريعة الله تعالى وتنوير القلوب بنور الإيمان والعقيدة بها، فكانت نعمة الإنسانية قد تمَّت به، وأصبح أكرم من جميع الكائنات التي خلقها الله سبحانه في هذا الكون الواسع الذي يحوي جميع ما لم يمرّ في الأذهان من كائنات لم يطلع عليها العالم البشري اليوم في عهود الحضارات والصناعات وفي عصور الدراسات العلمية والاختراعات العجيبة.

ولكن هذا الإنسان الباحث عن خفايا الكون وأسرار الحياة إذا لم يتمكن من الخضوع أمام صانع الكون، ولم يؤدّ حقه في مضمار الحياة ولم يبذل جهده في معرفة هذا الصناع القدير، وظل في غفلة غافلة، ولم يخطر بباله أن هناك قوة كبرى غير مرئية، فهو كالأنعام بل أضلّ منها، ويكون أرخص شئ عند الخلاق العظيم كما قد أشار إلى هذه الحقيقة الصارخة في كتابه العظيم: ” لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آَذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ ” (الأعراف:179).

لم يكن العالم البشري مفتقراً إلى هذه الأسوة المباركة لبناء الحياة الفردية والجماعية فحسب؛ بل الواقع أن هذا الكون بكامله مدين لهذه الأسوة التي هي جامعة لجميع شؤون العالم في المجالات كلها، وبفضل هذه الحياة الجامعة الشاملة تزايد عمر العالم، وأصبح الإنسان فيه مثل الروح للجسد، التي إذا حرمها الجسد أو فارقته لكان جسداً ميتًا لا يغني ولا ينفع شيئاً، ولذا فإن الدين الإسلامي هو بمثابة الروح للجسد في الواقع الذي يعيشه العالم بكامله.

فلنتأمل في هذا الواقع المستمر بقلب واع وعقل جامع حتى تتكشف حقيقة المكانة العالية التي يعيشها العالم اليوم.

(سعيد الأعظمي الندوي)

×