يا ربّ ……
7 يناير, 2020لطائف الذوق
27 يناير, 2020إليكم يا شباب الإسلام
لقد رأينا عظمة الإسلام في أصوله وأحكامه وأهدافه وأثره في نقل أمتنا من هامش التاريخ إلى صميم التاريخ. ومن نقل العالم الذي وصل إليه نوره من ظلام حالك وعيش تعس وحياة تائهة، إلى نور ساطع وعيش رغد وحياة عاملة كريمة.
ولقد رأينا جهد أعداء الإسلام في طمس معالمه وتشويه حقائقه لتنصرفوا أنتم خاصة يا شباب الإسلام وفتياته ولينصرف المسلمون عامة عن هذا المصدر العظيم من مصادر قوتهم ومبعث نهضتهم وحضارتهم. فكم جدير بنا أن نعود إلى الإسلام من جديد نفهمه من مصدريه الخالدين كتاب الله وسنة رسوله فهماً واعياً متحرراً من كل آثار الشبهات التي أثارها أعداؤه في عقولنا، مهتدين في ذلك بسيرة السلف الصالح من صحابة وتابعين ومن بعدهم ممن كانوا أئمة الهدى للعالم كله في عصرهم، وأركان الحضارة الإسلامية التي أسعدت الناس وأمنتهم على عقائدهم وأرواحهم وأموالهم وكرامتهم.
إن الإسلام في كل ما جاء به من تشريع إنما يقصد توفير خمسة أشياء لكل إنسان يعيش في ظل دولته: حفظ دينه، وحفظ عقله، وحفظ نفسه، وحفظ ماله، وحفظ عرضه، هكذا يقول فقهاؤنا الأقدمون رحمهم الله، ونستطيع أن نعبر عنها بالتعبير الذي يلائم أذواق عصرنا أن تشريع الإسلام كله يهدف إلى ضمان خمسة حقوق لكل مواطن في دولة الإسلام: حق الحياة، وحق الحرية، وحق العلم، وحق العمل، وحق الكرامة، تلك هي ما جاء الإسلام لتحقيقها لكل مسلم وغير مسلم في ظل دولته، ولو أمعنتم النظر في هذه الحقوق الخمسة لما وجدتم شيئاً تتم به سعادة الإنسان يخرج عنها، ولرأيتم أن جميع المبادئ التي فتنت الناس عن دينهم وظنوا أنها من مبتكرات هذه الحضارة الغربية التي تضمن لهم سعادتهم، لا تخرج عن هذه الحقوق الخمسة التي يدور تشريع الإسلام حولها ويؤكد عليها، مع فارق كبير بين الإسلام وبين هذه المبادئ التي فتنت كثيراً من الغافلين، ذلك أن هذه المبادئ التي تنادي بها الحضارة الغربية على أنها أساس سعادة الإنسان،إنما تفهم السعادة سعادة مادة لا روح فيها من لباس جيد، وغذاء جيد، ومسكن جيد، ومورد مالي حسن، بينما الإسلام وهو يعترف بأن هذه الأشياء من سعادة الإنسان في دنياه وهو يسعى لتحقيقها لكل الناس، يرى أن هذه المطلوبات المادية ليست هي كل السعادة، فكم من إنسان أوتي سعة في الرزق، ورفاهية في العيش هو في نفسه أشقى الناس وأتعسهم، ولذلك يكثر في أمثال هذه الطبقة الانتحار، وقد أثبتت الإحصاءات أن سكان البلاد السكندنافية – أي الدانمارك ونروج والسويد – وهم أكثر الشعوب الأوروبية رفاهية وليس فيهم عاطل عن العمل ومتى بلغ كل واحد منهم سن الستين أعفي من عمله أي عمل كان حراً أم حكومياً وأجري عليه رزقه ونفقاته حتى يموت، ومع ذلك فقد أثبتت الإحصاءات أن سكان هذه البلاد هم أكثر بلاد العالم انتحاراً، ينتحرون مللاً من معيشتهم الرتيبة، فليس عندهم شيء يشغلهم بعد ذلك فينتحرون.
إن الإسلام كما قلت لكم مع اعترافه بأن سعادة الإنسان تأمين حياته ونفقاته ونفقات أولاده، وقد وضع لذلك نظماً وقوانين هي خير ما وجد بما لا تصح معه المقارنة. مع هذا يرى الإسلام أن للإنسان أشواقاً روحية لا تتم سعادته إلا بتحقيقها، فالسعادة في الإسلام تتم بكل معانيها حين يقوم المسلم بحق عبوديته لله عز وجل من صلاة وصيام وذكر وقراءة لكتابه وسنة رسوله واستزادة من العلم وعمل للخير مع الناس كافة، حتى مع الحيوانات.
فهذه الأعمال وأمثالها إذا صحبتها النية الخالصة ابتغاء وجه الله ورجاء مثوبته كانت عبادة يجد المؤمن من اللذة والنشوة في أدائها ما يرى معه نفسه من أسعد الناس، ولقد كان إبراهيم بن أدهم رحمه الله تعالى يقول بعد الفراغ من تهجد الليل: نحن في لذة لو علمها الملوك لقاتلونا عليها، نعم إنها للمؤمن العارف بحقوق الله، القائم بكل ما أمر الله به لذة لا تعادلها لذة مهما تعب في سبيلها. وهذه اللذة تستمر مع المؤمن حتى يلقى الله، فهو لا يأتي عليه يوم يمل فيه من الحياة مهما كانت حياته مرفهة وطويلة أو أن يجد الملل في حياته، وهوفي كل يوم بل في كل ساعة، بل في كل لحظة، في لذة جديدة يتمنى معها بقاء الحياة ولو كان مقتراً عليه في الرزق، هذا هو أحد الفوارق بين قوام السعادة في الإسلام وقوام السعادة في الحضارة الغربية، وفرق آخر أن مقومات السعادة في الحضارات الأجنبية بعيدة كل البعد عن المعاني الإنسانية التي كان الإنسان بها أكرم من الحيوان وأسعد، بل إنك لتشعر أنه قد ماتت فيه كل معاني الرحمة والشفقة والعطف والإيثار. إنهم يعتبرون هذه الأخلاق عنوان ضعف الإنسان، ولذلك لا تجد لها أثراً بينهم، ولقد شهدتهم في بلادهم لا يسألون عن جيرانهم ولا يهتمون بهم بل لا يسألون عن أقربائهم ولا يهمهم من أمرهم شيء، فهل ترون هذه الحياة التي يحيونها حياة إنسانية كريمة تتفق مع ما فطر الله عليه الإنسان من غرائز الرحمة والإيثار والحب والتعاون على سراء الحياة وضرائها؟ أم هي أشبه بالحياة الحيوانية التي لا تندفع إلا وراء غرائزها من طعام وشراب ولذة؟.
إن السعادة التي يجدها المسلم في ظل الإسلام، لو طبق تطبيقاً صحيحاً كما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته والسلف الصالح من بعدهم، لا يمكن أن تعادلها سعادة في مبدأ من مبادئ الحضارة أو دين من الأديان.
فلا تفتشوا عن السعادة وعندكم حقيقتها وعند غيركم قشورها وبريقها وخداعها، لا تحاولوا أن تكونوا سعداء بتقليدكم لهؤلاء الغربيين في كل شيء، فلو كانت السعادة في حضارتهم وأخلاقهم لأسعدتهم قبل غيرهم، ولكنهم الآن تعساء حائرون، وأين يجدون السعادة؟ أفي هذه المستشفيات التي تغص بمرضى الانهيارات العصبية التي تتزايد يوماً بعد يوم؟ أم في هذه العيادات النفسية التي يتكاثر أطباؤها سنة بعد سنة؟ أم في هذه السجون التي تستقبل في كل دقيقة قاتلاً أو سارقاً أو جانياً؟ اسألوا أنفسكم يا شباب ويا فتيات أهذا كله من علائم السعادة في مبادئ هذه الحضارة وأخلاقها؟ أم من علامة الشقاء والبؤس والتعاسة؟
إن كثيرين من حملة القلم يتظاهرون لكم بالتحرر والتجدد، ويثيرون فيكم غرائز الجنس مستغلين فيكم مرحلة المراهقة، وهم إنما يريدون بذلك ترويج كتبهم ليملؤوا جيوبهم على حساب شرفكم وشرف دينكم وأمتكم، فهم أخس تجار الأرض يدخلون إلى قلوبكم وعقولكم من باب الحرية الشخصية التي كذبوا عليكم في تصويرها وتعريفها، ثم كذبوا عليكم في إخفاء نتائجها المفجعة في المجتمع الغربي، إذ كثيراً ما أدت هذه الحرية الجنسية والاختلاط والفلسفة الجنسية التي ينادون بها إلى أن يسرق الأخ زوجة أخيه، والصديق زوجة صديقه، والأب زوجة ابنه، فبئست هذه الحرية التي تنتهي بأن يسرق الإنسان أشرف وأغلى شيء لدى أحب الناس إليه وأشدهم قربى، وكم نشأت عن ذلك من مآسي اجتماعية وأخلاقية انتهت إلى كثير من الجرائم من قتل أشخاص وتشريد أسر، وشقاء عائلات. لا يا شبابنا ويا فتياتنا إنكم تؤمنون بدين وضع حدوداً مشروعة لعلاقة الرجل بالمرأة، وإنكم من أمة احتفظت بشرف أسرها وسمعتها أربعة عشر قرناً فلا تضعن حداً لهذه السمعة العالية المشرفة بانسياقكن وراء الإغراء الكاذب والتحريض الفاجر، حتى تصبحن مثل أولئك الغربيات الضائعات الشقيات التي تموت الواحدة منهن في اليوم مائة ميتة غيرة ممن يعاشرهن زوجها ويذهب ويجيء معهن.
نحن نريد لكم بالدعوة إلى الإسلام أن تصنعوا تاريخنا من جديد، أن تصنعوا أمجادنا من جديد، أن يكون لنا أبطال جدد وبطلات جديدات نفاخر بهم ونهز الدنيا، ولكن أعداء الإسلام وأذنابهم يريدون لكم أن تكونوا نسخة مشوهة من أولئك الغربيين الأشقياء، نسخة تضيع معالمها، وتضيع شخصيتها. فأي الدعوتين أكرم لكم وأي الطريقين يؤدي إلى قوة أمتكم واحترام العالم لها.
إننا ندعوكم لأن تعتزوا بهذا الإسلام وبتاريخه العظيم وبحضارته الخالدة، وبذلك وحده تفرضون احترامكم على أعداء الإسلام وأعداء أمتكم، فالذي لا يحترم نفسه لا يحترمه غيره، والذي يحتقر نفسه أولى أن يحتقره غيره، ولقد سمعتم من حقائق الإسلام ما يرفع رؤوسكم عالياً فلا تخفضوها وقد رفعها الله، ولا تحتقروا تراثكم وقد أنصفكم التاريخ، واذكروا دائماً قول عمر رضي الله عنه: نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فمهما ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله، اعتزوا بالإسلام شباباً وفتياناً شيباً وكهولاً، ولينصرن الله أمة نصرت دينه.
إن الله يدافع عن الذين آمنوا، “وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ” [الطلاق:2-3]
الدكتور مصطفى السباعي