واقع المسلمين المعاصر يقتضي الانتباه واليقظة

إلى أين يتجه البلد العلماني؟
7 يناير, 2020
“صفقة القرن” أسوأ انتهاك لحقوق الفلسطينيين
16 فبراير, 2020

واقع المسلمين المعاصر يقتضي الانتباه واليقظة

حين قامت فرنسا باحتلال مصر كان من خطة داهيتها الكبير نابليون بونابرت-كما كتب الدكتور محمد رجب البيومي في كتابه “النهضة الإسلامية في سير أعلامها المعاصرين” -ألا يظهر عداءه السافر للإسلام، فوزّع المنشورات المتلاحقة، تعلن احترامه لنبي الإسلام وشعائر المسلمين، وتدعو إلى المحافظة على المقدسات الإسلامية من مساجد ومشاعر، كما حاول أن يتألّف قلوب الصفوة من علماء الأزهر، فجعلهم أعضاء في مجلس الديوان، ظنّاً منه أنه يستطيع بهذه المُداراة الخادعة أن يذلّل طريق الاستعمار الفرنسي في مصر، ولكن يقظة الشعب الغيور قد فطنت إلى خداع الداهية الأريب، فقامت الثورات المتلاحقة في وجه الحملة الفرنسية، واضطر نابليون إلى أن يغادر مصر تحت ستار الظلام، ولقي خليفته الطاغية كليبر مصرعه بيد عربية باسلة، ثم حملت الجيوش الفرنسية عارها، وجلت عن الديار خائبة فاشلة، بعد كفاح مرير أعقب لها المذلة والهوان.

ثم أرادت فرنسا أن تثني الدور البغيض في الجزائر فاستطاعت بعد ثلاثين عاماً من خيبتها في مصر أن تحتل الجزائر، ولم تخف حقدها على الإسلام كما حاول نابليون في مصر، بل أعلنت في وقاحة لئيمة أنها أرسلت كتائبها إلى شعب همجي، ليستضيء بنور الإنجيل، وتوجّه المسيو كليرمون وزير حربيتها آنذاك إلى ملك فرنسا بقوله:

“لقد أرادت العناية الإلهية أن تثير حمية جلالتكم للقضاء على ألدّ أعداء المسيحية، ولعله لم يكن من باب الصدفة أن يدّعي ابن لويس التقى لكي ينتقم للدين والإنسانية، وربما يسعدنا الحظ فننشر المدنية بين السكان الأصليين وندخلهم في النصرانية”.

ولكن الشعب الجزائري لم يفطن إلى هذا الخطر كما فطن الشعب المصري مبكراً،فبالتالي أصبحت الجزائر مستعمرة فرنسية،وفقدت أصالتها وهويتها الدينية وشخصيتها الإسلامية ولغتها العربية،و هدمت المساجد وأغلقت المدارس والكتاتيب في غلظة وحشية، وكان في مدينة الجزائر وحدها مائة واثنا عشر مسجداً، فلم تبق السلطات الفرنسية منها على غير خمسة مساجد، وتحول الباقي إلى كنائس أو دور للإدارة، وأبادت فرنسا اللغة العربية إذ أعلنت: أن اللغة الفرنسية هي لغة الدولة الرسمية، وأصدرت قوانين صارمة تحرم أن يقوم مسلم ما بإدارة مكتب للغة العربية إلا بتصريح من قائد المنطقة، فإذا اتجه عربي غيور إلى المطالبة بهذا التصريح اعتقل أو أعدم، ثم فتحت المدارس الفرنسية، لتضم شذاذ الآفاق، ممن جلبتهم فرنسا من شتى الأقطار الأوروبية لتعمير البلاد، وكانت المناهج التعليمية لا تعتبر اللغة العربية مادة تستأهل الدراسة، وكذلك الدين الإسلامي، وفي جانب آخر كان مشايخ الطرق الذين أغواهم الاستعمار الفرنسي فاتخذهم أداة لتخدير العقول وتسميمها باسم الدين، يقومون بالشعوذة والدجل، ولا يكادون يفرغون من رقصات الذكر ودقات الطبول، وتأويل الأحلام وكتابة الأحجبة والتمائم، كما يسعون لتشويه الإسلام بترديد الإسرائيليات، والدعوة إلى مسالمة الفرنسيين، مع بثِّ التواكل والزهد، وعرض الإسلام في صورة انعزالية جامدة لا تدعو إلى بعث أو إصلاح، فأصبحوا عبيداً للاستعمار الفرنسي.

وقد حدث مثل ذلك في تركيا وبعض دول الاتحاد السوفيتي .

وكذلك سقوط الأندلس، فلقد كانت اجتمعت على المسلمين عدة عوامل، أدت إلى سقوط الأندلس وتحوِّلها إلى دولة مسيحية، وكان من أخطرها-كما أشار إلى ذلك الدكتور عبد الحليم عويس في كتابه “العصبية القومية وأثرها في سقوط الأندلس”-: العصبية القومية والانتماءات الجنسية والنزاعات المذهبية والفئوية بين العرب والبربر، والغفلة عن الخطر الحقيقي،والتقصير في تمثيل الإسلام والأخوة الإسلامية، فخرجت الأندلس من أيدي المسلمين الذين حكموها قرابة ثمانية قرون، فتعرضوا لحملات الإبادة والاستئصال دون رحمة أو هوادة.

والمسلمون في مختلف أنحاء العالم وخاصة في الهند اليوم يواجهون نفس الوضع الذي واجهه المسلمون في الجزائر وتركيا والأندلس،يواجهون خطر الاندثار والاضمحلال، والإبادة الجنسية، وخطر الردة،والقضاء على الهوية الدينية، ومحو الشخصية الإسلامية، وإغلاق مراكز التعليم الديني التي تعتبر معاقل الإسلام الحصينة في البلد.

ولحدوث هذا الوضع أسباب وعوامل، من أهمها النزاعاتُ المذهبية والصراعاتُ الفئوية،والتقصيرُ في تمثيل الإسلام تمثيلاً عملياً صادقاً،والاستنامةُ والإخلادُ إلى الراحة،  والجمودُ والتخلُّفُ في التعليم،وعدمُ الفطنة إلى خطة المنظمات الهندوسية الساعية لتحويل البلد إلى دولة هندوسية منذ مدة طويلة،وغيابُ الوحدة في الصف المسلم، والتفرُّقُ والتشتُّتُ في العمل والجهود.

فالمسلمون اليوم حائرون بين شباب ثائر، ودم فاتر، وذهن متوقد وأزهار تريد أن تتفتح، وبين قادة وزعماء قد ضعفوا في العقلية والحياة، وحرموا الابتكار والإبداع والشجاعة والمغامرة، وحائرون بين مواد خام من أقوى المواد وأفضلها في الإيمان والقوة والشجاعة، وبين موجهين وصناع لا يعرفون قيمة هذه المواد، ولا يعرفون أين يضعونها، ولا ماذا يصنعون منها.

وإن من أعظم الأسباب في هذه الحيرة التي يعانيها الشباب المسلم اليوم، هو التناقض في التوجيه والتعليم والتربية والإعلام، والتناقض بين ما ورثوه وبين ما يعيشونه، وبين ما يُلَقَّنونه تلقينًا، وبين ما يطلبه منهم علماء الدين، فهذا التناقض العجيب الذي سلط عليهم ومنوا به، هو السر في هذه الحيرة، وقد غرس هذا الوضع في قلوب الشباب الشك والحيرة والتناقض كما أشار إليه الشيخ أبو الحسن علي الحسني الندوي في كتاباته،وإن قصر المسلمون في فهم الواقع المعاصر ولم ينتبهوا للخطر فإن وجودهم يتعرض للانقراض، ويواجهوا نفس المصير الذي مني به المسلمون في الأندلس، وتسيطر عليهم القوة الفاشية، والآن تجري في البلد جهود مكثفة ومخططة لتحقيق هذا الغرض المشئوم،ومما يدل على ذلك إجراء تعديلات في القانون، وتغيير في نظام الجيش،فأحدث منصب جديد وهو رئاسة أركان الجيش،وعين في هذا المنصب قائد عسكري متقاعد ” ببن راوت” وهو معروف بعصبيته القومية وعدائه للمسلمين، فأصبحت القوات الثلاث البرية والبحرية والجوية تحت أمره.

فيجب علينا أن نستيقظ، وأن نفهم الواقع، ونحسب للخطر الذي يهدد الوجود المسلم في البلاد حسابه اللائق به،أولاً يجب تحريكُ الإيمان وإثارة العاطفة الدينية في النفوس،والعمل للمحافظة على الجمرة الإيمانية من أن لا تنطفئ، وثانياً تنميةُ الوعي الصحيح وتربيتُه، والفهم للحقائق والقضايا، والتمييزُ بين الصديق والعدو، وعدمُ الانخداع بالشعارات والمظاهر،لئلا تكون اليقظة أو الانتفاضة التي ثارت في الشباب فريسة للهتافات والنعرات، ولعبة للقيادات الداهية والمؤامرات الماكرة، وثالثًا لا بدَّ من إعادة الثقة في نفوس الطبقة المثقفة ومن بيدهم القيادة الفكرية والتربوية والإعلامية في البلاد بصلاحية الإسلامية وقدرته على قيادة الركب البشري إلى الغاية المثلى، وتجديف سفينة الحياة إلى برِّ السلام والسعادة، وإنقاذ المجتمع البشري من الانهيار والانتحارالذي تعرض لهما الإنسان المعاصر بتأثير الحضارة المادية المعاصرة،ورابعاً لا بد من ترشيد الصحوة التي نشأت في الشباب المسلم، وذلك يقتضي إيجاد حركة إيمانية دعوية إيجابية شاملة جامعة قوية، لأن التقصير في ذلك يسبب نشوء حركة منحرفة زائفة، فاسدة العقيدة والمنهج، سلبية هادمة مدمرة، فالصحوة واليقظة في أشد حاجة إلى الترشيد والتوجيه، وإلا فيقع الشباب والمتذمرون من الأوضاع الحالية في شبكة الدعوات المنحرفة الزائفة التي يجدون فيها طلبتهم ومنشودهم، وما يرضي طموحهم ويزيل قلقهم.

فالواقع المعاصر يجب أن ينتبه له كل معنِيّ بحاضر الإسلام ومستقبله، وسلامة العقيدة، وصحة التفكير، والإيمان بالله ورسوله وتعاليمه،” إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ ” (الأنفال:73)

محمد وثيق الندوي (مدير التحرير)

×