واقع المسلمين المعاصر يقتضي الانتباه واليقظة
27 يناير, 2020الطريق الأجدى للخروج من الأزمات والمشاكل
5 مارس, 2020“صفقة القرن” أسوأ انتهاك لحقوق الفلسطينيين
أعلن اليهود دولتهم “إسرائيل” في مساء 14/من مايو 1948م وتمكنوا مع نهاية الحرب العالمية الثانية من هزيمة الجيوش العربية ومن الاستيلاء على 78% من أرض فلسطين، أما الفلسطينيون فقد أعلنوا حكومة عموم فلسطين في مؤتمر غزة في أكتوبر 1948م غير أن الحكومات العربية التي تملك جيوشاً على أرض فلسطين لم تمكنها من ممارسة سلطانها بل وأجبر الحاج أمين الحسيني على مغادرة غزة تحت تهديد السلاح المصري، وتعرض الشعب الفلسطيني للتشريد والتهجير ومجازر هائلة، كان من أشهرها مذبحة ديرياسين، في 9/أبريل 1948م ذهب ضحيتها 258 رجلاً وامرأة وطفلاً, وشُرد حوالي 60% من الشعب الفلسطيني من أرضهم إلى خارج الأرض التي أقام عليها اليهود كيانهم، وشُرد ثلاثون ألفاً آخرون إلى مناطق أخرى في داخل الأرض المحتلة نفسها.
وبعد قيام ثورة 23/يوليو 1952م ودخول جمال عبد الناصر في سلسلة معارك مع الغرب بدءًا بكسر احتكار السلاح الغربي، وعقد صفقة الأسلحة الشهيرة عام 1955م مع المعسكر الشرقي، ومرورًا بمعركة تمويل السد العالي وانتهاءًا بتأميم قناة السويس، كان رد الفعل الغربي إزاء هذا التحدي من جانب عبد الناصر هو مجيء العدوان الثلاثي على مصر من قبل بريطانيا وفرنسا وإسرائيل عام 1956م، ولكن فشل العدوان الثلاثي الذي لم يؤيده الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفياتي، وتمّ انسحاب القوات البريطانية والفرنسية من مصر في 23/ديسمبر 1956م، وانتهت حرب السويس بعد أن حقَّقت مصر مطالبها واستردَّت كل حقوقها، إلا حقاً واحدًا هو منع إسرائيل من خليج العقبة.
واندلعت حرب حزيران/ يونيو 1967م بين الدول العربية وإسرائيل بعد حالة من التصعيد المتبادل، قامت فيه مصر بإغلاق مضايق تيران في البحر الأحمر وطلبت من مراقبي الأمم المتحدة على حدودها المغادرة، وأعلنت البلاد العربية استعدادها لمعركة المصير وتحرير فلسطين، لكن القوات الإسرائيلية قامت في صباح 5/ من يونيو بتدمير الطيران في المطارات المصرية والأردنية والسورية، وفي غضون ستة أيام كان الأمر قد انتهى بكارثة عربية جديدة، واحتل الصهاينة باقي فلسطين.
وفي أواخر الثمانينيات برزت أمريكا كقوة وحيدة أولى في العالم بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وخصوصاً بعد حرب الخليج في أوائل 1991م وزاد الوضع سوءًا تزايد النفوذ اليهودي فيها، ونجحت الولايات المتحدة في جرّ البلاد العربية إلى مؤتمر السلام العربي والإسرائيلي في مدريد في أكتوبر 1991م تلته مفاوضات عربية إسرائيلية مباشرة، وبعد سنتين أعلن عن اتفاق أوسلو بين الطرفين، وتم التوقيع عليه رسمياً في 13/سبتمبر 1993م في واشنطن برعاية الرئيس الأمريكي بل كلنتون وحضور ياسر عرفات وإسحاق رابين، ووقعه من الجانب الفلسطيني محمود عباس، ومن الجانب الإٍسرائيلي وزير الخارجية شمعون بيريز،كما وقعه وزيرا خارجية أمريكا وروسيا كشاهدين، وجرت بعده عدة اتفاقات خدمت أساسياً المصالح الصهيونية بشكل أفضل، وفشلت السلطة الفلسطينية التي قامت على أساس اتفاق أوسلوا 83 في الوصول إلى تسوية نهائية حول القضايا المصيرية الحساسة.
فقد أدت الدول الكبرى الأوربية والقوى الاستعمارية،والعجز العربي و الصراع بين الدول العربية، وحرمان المقاومة الفلسطينية من وسائل المقاومة و الحماية العربية،دوراً أساسياً وكبيراً في نشأة الكيان الصهيوني وتوسُّعه في فلسطين، فإن الدول العربية المجاورة تقف موقف التفاهم مع الكيان الصهيوني،وإن الدول التي يمكنها أن تقوم بدور مؤثر في القضية الفلسطينية، تعاني من مشكلات ووأزمات تهدد بقاءها و أمنها، وقد صعب عليها الخروج منها، وكذلك تركيا لا تستطيع أن تفعل شيئاً لكونها عضواً في الناتو والاتحاد الأوربي، و بعض الدول العربية في حالة الحرب،و بعضها متفاهمة ومنحازة،ومما يزيد الطين بلة أن القضية الفلسطينية لم تكسب حتى الآن الطابع العربي فضلاً عن تكون قضية إسلامية لأسباب .
وبالعكس من ذلك تتمتع إسرائيل بتائيد القوى العالمية وفي مقدمتها أمريكا القوة الوحيدة في العالم،وتنال منها الدعم السياسي والحربي علناً، فقد ورد في الخطة الأمريكية المزعومة للسلام في الشرق الأوسط،المعروفة إعلاميًا باسم “صفقة القرن” التي وصفتها غالبية الصحف الأوروبية بأنها لن تجلب السلام المنشود في الشرق الأوسط، لأنها تحمل في طياتها خطر تصعيد خطير لكونها تراعي فقط مصالح إسرائيل على حساب الفلسطينيين.
وكشف مُحلل الشؤون السياسية في القناة الـ”13″ بالتلفزيون العبري ” يارون ديكيل” أن الحديث في صفقة القرن يدور عن إقامة دولة فلسطينيّة منزوعة السلاح على مساحة 80% من أراضي الضفة الغربية المُحتلة وقطاع غزة، ونقل عن مصادر في “تل أبيب” وواشنطن، أن المستوطنات ستبقى كما هي، ولن يتم هدم أي مستوطنة بالضفة الغربية.
وتمثل الصفقة وصفة لتصفية القضية الفلسطينية، ومنح الصهاينة شرعية اقتطاع فلسطين ومقدسات المسلمين فيها،وسيكون إعلان “صفقة القرن” وتشريع ضم غور الأردن والمستوطنات للاحتلال معناه إلغاء وجود السلطة الفلسطينية عملياً.
ويتردد أن الخطة تقوم على إجبار الفلسطينيين على تقديم تنازلات مجحفة لمصلحة الاحتلال، بما فيها وضع مدينة القدس الشرقية المحتلة، وحق عودة اللاجئين.
وتقول صحيفة “يديعوت احرونوت” العبرية: إن “صفقة القرن” صاغها كل من كوشنر، والسفير الصهيوني في واشنطن الليكودي درمر، دون الاهتمام بموقف الفلسطينيين.
و من الحقيقة أن الأمريكيين أثبتوا مرة بعد أُخرى أن صفقة السلام لا تهدف إلى تحقيق سلام إسرائيلي -فلسطيني، فقد طالبوا بإبعاد القضايا الكبرى مثل الاحتلال والقدس والمستوطنات عن طاولة المفاوضات، ونقلوا سفارتهم إلى القدس، واعترفوا بالقدس عاصمة صهيونية، والاعتراف بسيادة الاحتلال على مرتفعات الجولان، وقلصوا الأموال المخصصة للسلطة، وأغلقوا مكتبها في أمريكا، وكل هذا تم بدعم قاعدة المؤيدين من الإنجيليين المتطرفين للرئيس ترمب ونائبه مايك بنس.
ومن جانبها علقت صحيفة “ليبراتسيون” اليسارية الفرنسية على خطة ترامب بالقول:
“ضعف ردود الفعل الدولية على خطة الولايات المتحدة ـ الإسرائيلية يطرح كثيرًا من الأسئلة، نفس الشيء يقال عن التعليقات العربية المزدوجة المعنى،الدول العربية مرتبطة وتابعة للولايات المتحدة وبشكل لا تستطيع فيها اتخاذ موقف مضاد لترامب، فانقسام الفلسطينيين وضعف السلطة الفلسطينية مهدت الطريق بشكل إضافي لاستراتيجية ترامب”.
ففي مثل هذا الوضع المكفهر لا تنحل قضية فلسطين إلا بنصر من الغيب وما ذلك على الله بعزيز، يقول المفكر الإسلامي الشيخ أبو الحسن علي الحسني الندوي رحمه الله تعالى :
“و لكن مهما كان، فلا داعي إلى اليأس، ولا مجال للتشاؤم، فالمنبع الذي تنبع منه الدوافع النفسية و البواعث الداخلية ـ وهو الإيمان ـ لم ينضب في صدر الأمة، ويمكن إثارته، في كل وقت، وإن العاطفة التي تبعث على المغامرات، لا تزال قوية تنتظر الانطلاق، وإن الأمة لم تصب بالعقم، وقد أنجبت في كل محنة وأزمة أفراداً واجهوا المشكلة، وجاؤوا بالعجب العجاب، وعسى أن تكون فلسطين سبب بعث جديد لهذه الأمة، ويقظة عامة للشرق العربي”.(المسلمون وقضية فلسطين: ص: 44)
ويقول في موضع آخر:
“وسينتصر أهل الحق وحملة الرسالة العالمية الخالدة، التي تعطف على الإنسانية كلها، وتساوي بين الشعوب والأمم، وتنتصر للحق أينما كان، وتحارب الظلم أينما وجد، يعيشون للإنسانية وبالإنسانية، ولا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً”.(المسلمون وقضية فلسطين: ص: 150)
مدير التحرير: محمد وثيق الندوي