الأرض المقدسة والمحافظة على حرمتها
9 يناير, 2022يا صاحب الهم إن الهم منفرج
7 أبريل, 2022الفرجة بعد الكربة
جعفر مسعود الحسني الندوي
سمعت لأحد الدعاة كلمة نحتاج إلى مثلها في هذه الأيام التي نعيشها مصابين بالهموم والأحزان، مواجهين للبلايا والمحن، متعرِّضين للأمراض والأوبئة،وكلُّ ما نعانيه من هذه الأمور في هذه الحياة يثبِّط لنا الهمم، ويبعث فينا اليأس، ويقطع عنا لذة النعم التي نتمتع بها، ويجعلنا نرى فيما حولنا ظلامًا هالكًا، وطرقًا مسدودة، وأبوابًا مغلقة، فلابدَّ لنا في مثل هذه الأوضاع التي تبعث على القلق،أن نتذكَّر ونذكِّر أن هذه الدنيا التي نعيش فيها، هي دار ابتلاء واختبار، دار همّ ونكد، دار كدح وتعب، وقد قال الله عز وجل: “لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ” [البلد:4] وقال: “فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا” [الشرح:5-6] ونؤمن بأن الفرج يأتي بعد الضيق، ويكون المخرج بعد الشدة.
ألم يكن رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم في مكة في ضيق وشدة بسبب ما يلاقيه من أذى المشركين؟، فوعده الله باليسر بعد العسر، تسلية له لتطيب نفسه، ويقوى رجاؤه، كأن الله تعالى يقول له: إن الذي أنعم عليك بهذه النعم سينصرك، ويظهر أمرك،ويبدل لك هذا العسر بيسر قريب، ولذلك قرره مبالغة، وقد جاء في الحديث النبوي الشريف: ” لن يغلب عسر يسرين”،وقال الشاعر وهو يبين حقيقة هذه الحياة:
ثمانية تجري على الناس كلهم
ولا بد للإنسان يلقى الثمانيه
سرور وحزن واجتماع وفرقة
ويسر وعسر ثم سُقْمٌ وعافيه
هذه هي طبيعة هذه الحياة، وسنة هذا الكون، ولذلك أمرنا الله تعالى عز وجل بالصبر والمثابرة والمربطة، فقال: ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ “(آل عمران:200)
فلا يمكن لرجل مهما أوتي من القوة، ومهما أوتي من المال، ومهما أوتي من النفوذ، ومهما أوتي من السيطرة، ومهما أوتي من الرفعة، أن ينال السعادة كلها، وأن يحيى حياة كلها طمأنينة وفرحة،وبهجة وسرور، وراحة وهناء، فلا مناص له في هذه الدنيا مادام على قيد الحياة،من أن يجوع ويشبع، يعطش ويروى، يتألم ويرتاح، يمرض ويشفع، يضعف ويقوى، يعدم ويثرى، يصعد و يهبط، يسهر وينام، ويرى ظلام الليل وبياض النهار، يقول أحد العلماء : عجبت لمن أبتلى بالصبر كيف يترك قول الله عزوجل: “وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآَتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ”(الأنبياء:83-84)
وعجبت لمن أبتلى بالغم، كيف يترك قول الله عزوجل: ” فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ “(الأنبياء:87-88)
عجبت لمن خاف ظلم الظالمين كيف يترك قول رب العالمين”الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ”(آل عمران:173-174)
عجبت لمن خاف مكر الماكرين فكيف يترك قول الله جل وعلا:” وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآَلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ “(غافر:44-45).
يُروى أن إبراهيم بن أدهم مرَّ على رجل حزين مهموم فقال له :
إني سأسألك عن ثلاثة فأجبني : فقال الرجل الحزين: نعم.
فقال إبراهيم : أيجري في هذا الكون شيء لا يريده الله ؟
فقال الرجل: لا
فقال إبراهيم: أفينقص من رزقك شيء قدره الله؟
فقال الرجل : لا.
قال إبراهيم: أفينقص من أجلك لحظة كتبها الله ؟.
فقال الرجل: لا.
قال إبراهيم : فعلام الحزن! ؟
وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: عَجَباً لأمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ لَهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لأِحَدٍ إِلاَّ للْمُؤْمِن: إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْراً لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خيْراً لَهُ” (رواه مسلم).
لابدَّ لنا وقبل كل شيء من أن نقوى إيماننا بربِّنا، ونتوجه إليه في كل ما ينزل بنا، فهو الذي يكشف الغمّ، ويفرِّج الكربة، ويزيل الهمّ، ويبدِّل الخوف أمنًا.