العلم المجرَّد عن الأخلاق

فساد القلب بالضغائن داء عياء
26 نوفمبر, 2022
الخطأ الذي يقع فيه الكثيرون
12 يناير, 2023

العلم المجرَّد عن الأخلاق

جعفر مسعود الحسني الندوي

مما يدل على أهمية العلم في الإسلام، أن الإسلام الذي يدعو أتباعه إلى التعامل بالمساواة ويدعوهم إلى رفع الحواجز التي تفصل إنسانًا عن إنسان، ويدعوهم إلى الامتناع عن الافتخار بالأحساب والأنساب، ويدعوهم إلى عدم التمييز بين إنسان وإنسان على أساس اللون واللغة والعنصرية والوطن،ويقول نبينا محمد صلى الله عليه وسلم: يا أيها الناس إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، لا فضل لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأحمر على أسود، ولا لأسود على أحمر إلا بالتقوى، لكننا نرى هذا الإسلام يفرق بين إنسان وإنسان على أساس العلم والمعرفة، أ لم ينف ربنا عز وجل عن طريق الاستفهام المساواة بين العلماء وغير العلماء قائلاً ” قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ” [الزمر:9] وقال نبينا محمد صلى الله عليه وسلم: “فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم”.

بجانب أهمية العلم في الإسلام نجد أهمية الخُلُق أيضًا، ألم يثن ربنا تبارك وتعالى على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم بقوله:” إنك لعلى خلق عظيم” وحينما سئلت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها عن خلق نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أجابت: “كان خلقه القرآن”.

فثبت من ذلك أن العلم والخلق وجهان لعُملة واحدة، ولا تُعدّ العُملة عُملة إلا بكلا الوجهين المتلازمين، أو هما كجناحي الطير، لا يطير طائر إلا بجناحيه، وإذا فقد أحد جناحيه لا يستطيع أن يحلق في السماء، وإنما يقع على الأرض، ويصبح فريسة لأحد القطط أو الكلاب، وصدق من قال: “إن العلم هو المصباح والأخلاق هي نوره، ولا قيمة للمصباح إلا بنوره، ولا نور إلا في وجود المصباح، أو أنهما كالشجرة المورقة المثمرة، والعلم هو الشجرة، والأخلاق هي الأوراق والثمار، ولا قيمة للشجرة إلا بقدر جمال أوراقها، وحلاوة ثمارها، ولا توجد الأوراق والثمار إلا بوجود الشجرة، يقول الشاعر:

والعلم إن لم تكتنفه الشمائل

كان مطية الإخفاق

لا تحسبنّ العلم ينفع وحده

ما لم يتوج ربه بخلاق “

فإذا لم يتحل عالم بالأخلاق الفاضلة والخصال الحميدة والشمائل الحسنة ولم يزدن بالكرم والفضل يجد طريقه إلى الأمام مسدودًا رغم علمه الغزير، ولا يستطيع أن يتقدم ويرتقي ويرتفع إلا إذا جمع بين العلم والخلق، لأن العلم إذا تجرد عن الخلق والكرم، وانتشر دون اقترانه باسم الرب، يؤدي إلى الدمار والضلال، والعنف والإرهاب، كما نرى اليوم كثيرًا من الدول التي دمرته الأسلحة النووية والكيماوية والبيولوجية التي وصل إليها الإنسان بعلمه ودراسته وتجاربه، فإذا كانت تصاحب هذا العلمَ الأخلاقُ والرحمة والكرم والشعور بالمسئولية أمام الله تعالى لا تستخدم هذه الأسلحة وهذا العلم في التخريب والإبادة، ولا نرى أكوامًا من الجثث والأشلاء والجماجم التي ذهبت ضحية هذا العلم الذي تجرد من الخلق.

إن كل ما نراه في هذه الأيام من المجون والفحشاء والعُرى والإباحية والتحلل والشِواذ والمثلية التي تغزو البيوت وتُدَمّرها وتفكّك الأسَر وتقتلعها من جذورها، يعمل وراء كل ذلك وسائل الاتصال الحديثة والتكنولوجيا الجديدة التي سيطر عليها الإنسان بعلمه وعقله واستخدمها في نشر الأكاذيب، وترويج الأراجيف، وبث الإشاعات، لصرف النظر عن الآداب الفاضلة والأخلاق الحميدة والضوابط الشرعية والقوانين الدينية، فلابد للجمع بين العلم والخلق، وإلا نطير بجناح واحد والمصير يعلمه الجميع.

×