سرُّ القوة والتأثير
27 أكتوبر, 2022العلم المجرَّد عن الأخلاق
26 ديسمبر, 2022فساد القلب بالضغائن داء عياء
جعفر مسعود الحسني الندوي
لا يمكن لأحد يحمل في قلبه حقدًا أن يعيش مرتاحًا، ينام ملء جفنيه، ويستيقظ وهو مطمئن الفؤاد،ومستريح النفس، لأن الضغينة هي داء إذا أصاب أحدًا يقتله صباحًا ومساءً، وليس له دواء إلا الرضا بالقدر، والإيمان بأن كل شيء من عند الرب، وأن النعم التي يراها يتمتع بها البعض، ليس لأحد منهم يدٌ فيها، فقد منحهم الله هذه النعمة ليبتليهم، فكل نعمة يحسد عليها، هي محنة وبلاء، يقول الله عز وجل: ” لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ” [إبراهيم:7].
وقد علمنا رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم أننا إذا رأينا نعمة تنساق إلى أحد،نقول: “اللهم ما أصبح بي من نعمة أو بأحد من خلقك فمنك وحدك، لا شريك لك، فلك الحمد ولك الشكر”.
وكذلك علمنا نبينا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم أننا إذا وجدنا أحدًا يصاب بأذى،أو يصاب بهمٍّ، أو يصاب بألم، أو يصاب بما يقلقه، أويؤرق نومه، ويوقعه في ورطة يصعب عليه الخروج منها، ينبغي لنا أن ندعو له ونرجو من الله عز وجل أن يفرج كربته، ويغفر ذنبه، ويعفو عنه، ويسعى لإزالة ما نزل بأخيه من المصيبة، وتفريج ما أصيب به من الكربة، وبذلك يحيى المسلم -كما يقول الشيخ محمد الغزالي رحمه الله- “ناصع الصفحة، راضيًا عن الله وعن الحياة، مستريح النفس من نزعات الحقد الأعمى”، وأضاف قائلاً: ” إن فساد القلب بالضغائن داء عياء، وما أسرع أن يتسرب الإيمان من القلب المغشوش كما يتسرب السائل من الإناء المثلوم”.
إن الحقد يحول دائمًا دون العلو والرفعة، والعزة والشهرة، والرقي والتقدم، إن الحاقد يعيش منعزلاً عن زملائه، منزويًا على نفسه، منكمشًا في ذاته، لا يزور أحدًا، ولا يقابله ولا يساعده ولا يفرح به، ولا يقف معه عندما يحتاج إليه، فلا يثق به أحد، ولا يحمل له في قلبه حبًا، وصدق من قال:
لا أحمل الحقد القديم عليهم
وليس رئيس القوم من يحمل الحقد
إن الحقد يؤدي إلى التقاطع والتباغض، والتدابر والتباعد، ويطيش بالألباب والعقول، ويعمي عن الفضائل، ويضخم الرذائل، وقد يذهب بصاحبه إلى اختلاق الأكاذيب، ونشر الشائعات وتشويه سمعة من يحقده، ويمنعه من القيام بأعمال الخير، ويوقعه في أمور تقطعه عن المجتمع الذي يعيش فيه، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال: “قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الناس أفضل؟ قال: كل مخموم القلب، صدوق اللسان، قالوا: صدوق اللسان نعرفه، فما مخموم القلب؟ قال: هو التقي النقي، لا إثم فيه، ولا بغي، ولا غل، ولا حسد”.
وقد جاء الإسلام بمبادئ تردّ عن المسلمين ما يسبب لهم من الانقسام والفتنة والتمزُّق والتشتُّت، وتولّد فيهم مشاعر الأخوة والمحبة والمودة، وتجعلهم كالبنيان المرصوص، يشدُّ بعضه بعضًا،وأمر النبي صلى الله عليه وسلم لخطورة هذا المرض وأثره على المجتمع، بأن لا نتحاسد، فقال:”لا تباغضوا، ولا تحاسدوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانًا”.
هكذا يحارب الإسلام الأحقاد، ويقتل جرثومتها في المهد، ويرتقي بالمجتمع المسلم إلى مستوى رفيع يعيش فيه كل مسلم، نقيَّ القلب من دنس الحقد والحسد، والإحن والضغينة.