نحن المسلمين، بين الغابر والحاضر!

حديث عن النية نقطة مهمة تطلب الاهتمام بها في كل حين
22 يوليو, 2019
طبيعة الإنسان، توحيد الرب الخالق!
7 سبتمبر, 2019

نحن المسلمين، بين الغابر والحاضر!

هناك أنواع من الأحداث والأخطار تحوم حول الأمة المسلمة في عهد الانتهازات السياسية المادية المتوافرة اليوم على المستوى العالمي، التي أنست المسلمين مكانتهم الإنسانية العامة، فالمسلمون الذين يعيشون في وطنهم وبين أيدي القادة والدعاة الإسلاميين يعرفون مسئولية الدين ويسعون إلى أن يمثلوا شخصيتهم الإسلامية رغم الظروف المعاكسة والأوضاع السيئة التي تهدد بقاءهم على الدرب السوي، وتتحدى عقيدتهم وإيمانهم، وسلامة وجودهم الإسلامي، فبينما كان هذا العمل يُنجز في سرية تامة ومن خلال المؤامرات ضدهم، بدأ يُمَارس الآن بغاية من الوقاحة والإعلان ونوع من التهديد  والتخويف، وحيثما يتوافر عدد المسلمين ويتكاثر عمل الدعوة الإسلامية تحاك هناك خيوط المؤامرات العلنية مع تنظيم جماعات مشبوهة ممن يقومون بتشويه وجه التاريخ وبالعمليات الغوغائية الشريرة التي يتدربون عليها على أيدي قادتهم وحكامهم، ممن يصرخون بتصفية وجود المسلمين من على وجه الأرض، سواء تم ذلك بإبعادهم عن العقيدة والإيمان وإدخالهم في الديانات الباطلة من الوثنية الشركية أوضمهم إلى صفوف الملحدين الماديين، أو طردهم من بيوتهم وأراضيهم إلى صحراء بعيدة أو إغراقهم في أعماق البحور.

هذه النفسية الغوغائية تعمل اليوم في عقليات ضعيفة من بعض العناصر التي تنتمي إلى الدين الإسلامي، وقد حدث أن عدداً من المسلمين المتوارثين هذا الدين منذ أجيال قديمة أعلنوا خروجهم عن الإسلام والارتداد عن دين آبائهم وأجدادهم، إما خوفاً من تهديدات، أو طمعاً في حطام الدنيا ولمعانها من خلال الكفار والمشركين، ولكن هناك من لا يعلن خروجه عن دائرة الإسلام ولكنه يعيش الإسلام اسماً ورسماً دون إيمان وعقيدة أو عمل خالص يحول دون خروجه عن الدين، وأمثال هذا النوع كثيرون وسوف لا يحصون، ولعل هذا الأسلوب أصبح عادة لهم من غير تعمد وأن هؤلاء لم يعرفوا معنى الإسلام إلا صورة ظاهرة دون أن يتعمقوا فيه عقيدة وعملا لأنهم لم يتلقوا تربية دينية من جهة ولم يدر في خَلدهم أن الإسلام ليس اسماً أو صورة ظاهرة فحسبُ، بل إنه عقيدة وإيمان وعمل وإخلاص، وتقرب إلى الله تعالى والاتصال به بواسطة الشريعة الإسلامية وتنفيذها في الحياة الفردية والجماعية.

هذا بالنسبة إلى الجماهير المسلمة، أما الخاصة من هذه الأمة الذين يتميزون بالعلم والإيمان ويتمتعون بمنصب القيادة والدعوة الإسلامية فمعظمهم يعيشون حياة عادية ولا يهمهم أن يمثلوا نموذجاً عملياً مخلصاً للحياة الإسلامية ويؤثروا في نفوس العامة والخاصة، بل وقد يكونون مقصرين في كثير من الأمور التي تكون ذات صلة عميقة ومستمرة بالحياة الإسلامية، وقد يصدر منهم تقصير في أداء الفرائض والواجبات لأدنى سبب، وأقل مناسبة، هذه الإشارة ليس من الاتهامات في شيء، وإنما الغرض بيان واقع نعيش فيه اليوم بوجه عام، والله سبحانه وتعالى يبشرنا بتثبيت أقدامنا إذا قمنا بنصر الدين وتمكينه في الأرض، فيقول بأسلوبه المعجز: “إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ” [محمد:7].

أفلا يعني ذلك أن الله تعالى قد اشترط لنا العز والعلو والخلود والبقاء إلى يوم الدين وبشر بالنجاح وجوائز السماء في الآخرة بنصر دين الله والدعوة إليه وتمكينه في هذه الأرض الواسعة، وبذلك يأتي إلينا النصر والعز والشوق إلى لقاء الله تعالى، وتسعد الحياة وتتوطد الصلة بين العبد والمعبود، والخلق بالخالق الذي ليس له ند ولا شريك، وليس له فناء أو نهاية، إنما هو الله الواحد الأوحد الفرد الصمد، الخالد الدائم الباقي، لا نهاية له أبداً، وهو الحي القيوم بصفة مستمرة “هُوَ اللَّهُ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلاَمُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ” [الحشر:23].

فمن عاش مع هذه الصلة القوية المتينة مع ربه تبارك وتعالى فهو المؤمن المسلم النموذجي، الذي يحتاج إليه العالم البشري في كل زمان ومكان وفي جميع الظروف والأوضاع من غير استثناء أو نقص أو زيادة في برامج أعماله، وفي كل شأن من شؤون حياته.

وإن هناك ناحية مهمة جداً وهي أن خطاباتنا ومحاضراتنا في المجالس العامة والاحتفالات الجماهيرية لا تنفع شيئاً إذا اكتفينا بالقول، ولم نمثل حياة المسلم المطلوب عند الله تعالى، بالجمع بين القول والعمل على السواء، هذا هو الشيء المطلوب منا جميعاً، فلابد من القيام بتحقيق هذا المطلوب دائماً وفي كل حال.

وليست حاجتنا في تسجيل أسمائنا في سجلات المسلمين لبيان عدد المسلمين في العالم اليوم والاعتزاز به، إنما نحن بأمس حاجة إلى تمثيل نموذج حقيقي أصيل للمسلم الذي يسعد بالولاية والصدق والتقى، فيكون منه ولياً من أوليائه ويصدق عليه قول الله تعالى: “أَلاَ إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآَخِرَةِ” [يونس:62-64].

والله سبحانه يقول الحق ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.

(سعيد الأعظمي الندوي)

×