لا يتغير الوضع حتى يغيِّروا ما بأنفسهم

… إلى الاستعراض والمحاسبة
10 ديسمبر, 2024

لا يتغير الوضع حتى يغيِّروا ما بأنفسهم

جعفر مسعود الحسني الندوي

يقول الأستاذ محمد قطب – رحمه الله – وهو يردُّ على بعض التساؤلات التي تتراود في أذهان كثير من الشباب المتحمسين للإسلام، والمشتغلين بالدعوة، والمتابعين للأحداث التي تجري في بلدانهم،ويعيشون بقلق وهمّ لما يرونه حولهم من الدمار والهلاك، والتشريد والتعذيب، ومآت الألوف من القتلى والجرحى واللاجئين، فتجيش في خواطرهم أسئلة يريدون الإجابة عليها.

إنهم يقرأون في كتاب الله:” وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ “(آل عمران: 139) ” وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ “(الصافات:173) ” إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ “(غافر:51) ” وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ” (الحج:25) ” وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا “(الإسراء:16) “وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا “(النور:55).

يقرأون هذه الآيات المبشرة بالغلبة والانتصار، والتمكين والإستخلاف، ويتساءلون: متى تتحقق هذه الوعود؟ متى يستخلف المسلمون في الأرض؟ متى يمكن لهم دينهم الذي ارتضى لهم ربهم؟ متى تنهزم القوات المعادية للإسلام والمسلمين؟ متى تدمر بيوت الأعداء المجرمين الحاقدين على الإسلام؟ متى يأتي النصر من عند الله؟ متى يتوقف إراقة دماء المسلمين الأبرياء؟ متى يعيش المسلمون بعز وكرامة؟ متى يكونون أحرارًا في القيام بواجبهم الديني؟…

يتساءلون عن الحركة الإسلامية التي نسميها بالصحوة الإسلامية متى تؤتي ثمارها؟ لماذا لا تصل إلى غايتها؟ لماذا لا تحقق أهدافها؟ هل هناك أخطاء يقع فيها المنتمون إليها، أم هي ظروف معينة تحول دون تحقُّق النجاح، أم هي مؤامرات تنسج بغاية من الدقة لتشويه هذه الحركات وتفكيكها، أم هناك عملاء وخونة داخل هذه الحركات يثيرون الخلافات بين قادتها وزعمائها، ويساعدون الأعداء بكشف ما يجب أن يسدل عليه الستار، وإبلاغ ما يجب أن يخفى عنهم من الأسرار، ما هي سبل النصر؟ وكيف تعود الأمة الإسلامية إلى مجدها؟.

فيرد الأستاذ محمد قطب على هذه الأسئلة قائلا: إن كل شيء في حياة البشر، وفي هذا الكون كله يتمُّ بقدر من الله، ولكن قدر الله يجري في هذه الأرض بالسنن، وعلمنا الله هذه السنن في كتابه المنزل على نبيه، علمنا إياها لنسير بمقتضى هذه السنن، ونعلم أنه لا يحدث شيء جزافًا لا في هذا الكون المادي ولا في حياة البشر، إنما يجري كل شيء بنظام وسنن وقوانين، وهذه السنن لا تحيد ولا تجامل ولا تحابي، وعلينا أن نستقيم مع مقتضياتها وعلينا أن لا نلوى السنن عن مجراها.

من هذه السنن سنة يعرفها كل من يتلو هذه الآية الكريمة: ” ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ “(الأنفال:53)

من الخطأ الذي نقع فيه أننا نتغافل عن هذه السنة الربانية، وهذا الإعلان الإلهي، ولا نلتفت إلى ما في داخلنا من الأمراض والأوبئة التي نحتاج إلى معالجتها قبل كل شيء، ولا نحاسب أنفسنا، ولا نستعرض أحوالنا.

إن الأمة الإسلامية كانت مكرمة ممكنة في الأرض، لأنها كانت تسير على الخطوط التي رسمها القرآن الكريم لها،لأنها كانت مقدرة لنعم الله بأداء ما يجب عليها من الشكر والعمل، فلم يغيرها عنها ولم يسحب منها التمكين الذي مكنه إياها.

يقول: إن هذا الوعد كان متحققًا بالفعل في الأمة الإسلامية قرونًا متوالية،واليوم نرى حال الأمة الإسلامية بعيدًا عن الإستخلاف والتمكين في الأرض.

لماذا تغير الوضع، لماذا تلاحقنا الهزائم، لماذا ننسحب ونتخلف ونتنازل، لماذا نرضى بالعبودية والخضوع والتبعية،إن ما أصابنا في القرون الثلاثة الأخيرة لم يكن جزافًا، كل شيء يسير وفق سنة من سنن الله عزوجل، والسنة تقول: إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، فما الذي غير المسلمون في هذه القرون الثلاثة الأخيرة، هذا هو السؤال الذي يجب أن ينشأ في قلب كل مسلم.

×