حاجة العالم الإسلامي

مسئولية الأمة الإسلامية
26 نوفمبر, 2022
الحاجة إلى اختيار أجدى الوسائل
12 يناير, 2023

حاجة العالم الإسلامي

الشيخ محمد الرابع الحسني الندوي

العالم الإسلامي اليوم بحاجة إلى أن يكون مخلصًا لقضاياه، ساهرًا على مصالحه الحقيقية، وتقع المسئولية في ذلك على قادته أكثر من غيرهم، سواء كانوا حكامًا، أو كانوا زعماء الشعب.

فإن الإخلاص والسهر على المصالح المشتركة ضمان للنجاح، وليست هذه الأسلحة الراقية، ولا الوسائل المتوفرة، فإن الأسلحة والوسائل المادية لا تعمل بنفسها؛ بل إنما تحركها وتستعملها الأيدي الإنسانية، والعقول البشرية، وهذه الأيدي والعقول لا تتحرك للخير، ولا تعمل بدون الإخلاص واليقظة، وهذا الإخلاص واليقظة كلما وجدا في تاريخنا جاءا بأحسن العواقب، ولم يحل في طريقهما لا قلة العدد ولا قلة السلاح.

وتاريخ الإسلام حافل بأمثلة رائعة غلبت فيها القلة على الكثرة، وانتصر المغلوب على الغالب، ونزع حقه منه، فلو أن المسلمين الأوائل خافوا من قلتهم أمام عدوهم، ومن زهادة أسلحتهم بالنسبة إلى أسلحة أعدائهم لما خرجوا من أماكنهم وموطنهم، ولما كنا حيث نحن الآن.

لا نقول بلساننا إن تغيير الواقع ليس في وسعنا، ولكن عملنا يقول ذلك، أما  الكلام بغير العمل فنحن أبطال لميدانه، ونستطيع أن نستعمله في كل معركة، بل إنما نكثر من استعماله سواء كان المجال هي الحفلات العامة، أو كان صفحات القرطاس، أو كان هي المؤتمرات، وأصبحت المؤتمرات هو الميدان المفضل لعملنا، والقرارات و البيانات هي أسهل ما يمكننا أن نبذله في هذا الميدان .

تعلمنا من أوربا عقد المؤتمرات وإصدار القرارات، ولكننا لم نتعلم منها الاستفادة العملية من نتائج للمؤتمرات،والتطبيق للقرارات الصادرة منها، فتبقى قضايانا غير محلولة،ولا نزيد نحوها إلا أننا نعقد المؤتمرات ونصدر قرارات، ونعلن بإدانات مرات ومرات، وبذلك نبقى في طريق لا نهاية له.

لو أن القرارات والمؤتمرات كانت تنفعنا كما تنفع الأمم الغربية لكانت نعمة أي نعمة، فإنها طريق التخطيط للعمل، وطريق البحث فيما يحسن أو لا يحسن، ولكننا مغرمون بالكلام، ونجد فيه المتعة، ونطرب له، ونبذل جلستنا في التصفيق له، وذلك يمتص حرارة قلوبنا، ويجمد شرارة عاطفتنا، فيبقى الأمر كما كان، ويتقدم عدونا خطوة جديدة إلى الأمام .

لقد آن الأوان بعد الخسران الطويل والنكسات المتتابعة أن نعود إلى الحقيقة المرة، فنعد أنفسنا للعمل، ونتحلى بالإخلاص لكرامتنا، ولمصالحنا، ولصالح بلادنا وشعوبنا، وأن نكون ساهرين على الأخطار المحدقة بنا، وعلى المكائد التي تحاك ضدنا، فقد استهدف الاستعمار الغربي بلادنا منذ قرنين، وأصبنا بفتنه وشروره في حرية أوطاننا أولاً، وفي قيمنا وأقدارنا ثانياً، أو في نظراتنا وأفكارنا ثالثًا، حتى أصبحنا اليوم خدمًا و اتباعًا في ركبه الحضاري السائر، نسير في موكبه، ونأكل من فتات مائدته، ونفتح له باب الاستفادة من الثروات التي نملكها على مصراعيه .

لقد كنا نرى المستعمر في السابق في أوطاننا دخيلاً ومكروهًا، لأن العمل الاستعماري منه كان صريحًا، ولكنه صار الآن صديقًا لنا محبوبًا، لأنه عرف كيف يخدعنا بالمصطلحات، وبالمجاملة والكلام، وكيف يسحرنا بمظاهر المدنية والنظام، فهو متظاهر  بالمجاملة ويمتعنا بكلامه، وبمظاهر مدنيته، وينتزع منا ثروات بلادنا، ويرزأنا في كرامتنا،ولكننا لا نملك لذلك شعورًا يأخذ بيدنا إلى معالجة الوضع، وذلك لأن الدافع النفسي إلى ذلك مفقود وهو الإخلاص والسهر على المصالح.

×