سفينة النجاة في الفتن

وصايا نبوية وتربية إيمانية
28 يوليو, 2025
إن مع العسر يسرًا: رحلة الدعوة وبيعة العقبة
24 سبتمبر, 2025
وصايا نبوية وتربية إيمانية
28 يوليو, 2025
إن مع العسر يسرًا: رحلة الدعوة وبيعة العقبة
24 سبتمبر, 2025

سفينة النجاة في الفتن

عبد الرشيد الندوي

عن العرباض بن سارية رضي الله عنه قال: صلى بنا رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الصبحَ، فوعظنا موعظةً بليغةً ذرفتْ منها العيونُ، ووجلتْ منها القلوبُ، فقال قائل: يا رسولَ اللهِ كأنها موعظةُ مودّعٍ، فأوصِنا، فقال: أوصيكُم بتقوى اللهِ والسمعِ والطاعةِ، وإن كان عبدا حبشيّا، فإنهُ من يعشْ منكُم فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكُم بسنتِي وسنةِ الخلفاءِ الراشدينَ المهديينَ، وعضّوا عليها بالنواجذِ، وإياكُم ومحدثاتُ الأمورِ، فإنَّ كلَّ بدعةٍ ضلالةٌ.

تخريج الحديث: أخرجه أبو داود (4607)، والترمذي (2676)، وابن ماجه (44)، وأحمد (17144).

شرح الحديث: هذا الحديث من أعظم الوصايا النبوية الجامعة، جاءت في سياق موعظة بليغة، خرجت من مشكاة النبوة، فتأثرت منها القلوب وذرفت منها العيون، مما يدل على أثر الموعظة إذا خرجت من قلب صادق ولسان ناصح، ويشير إلى أهمية الأسلوب المؤثر في التعليم والدعوة.

بدأ صلى الله عليه وسلم وصيته بتقوى الله، وهي وصية الله للأولين والآخرين، ومفتاح كل بر، وجماع كل خير. فمن لزمها في سره وعلانيته فقد فاز، وهي الشرط الأول للنجاة.

ثم قرن بها السمع والطاعة لولاة الأمور، ولو كان الوالي عبداً حبشيًّا، وهذا من أصول السياسة الشرعية: أن الطاعة لا تتوقف على النسب أو الشكل، بل على إقامة الحق والعدل. وفيه بيان لخطورة الفوضى، وفضل الجماعة ووحدة الصف.

ثم أخبر صلى الله عليه وسلم عن أمر سيكون، فقال: “من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً”، وهي من دلائل نبوته، فقد وقع كما قال: اختلاف في الفتن، وفي الأقوال، وفي الأهواء. فجعل صلى الله عليه وسلم النجاة في التمسك بالسنة النبوية، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، الذين ساروا على أثره، وقوله صلى الله عليه وسلم: «فعليكم بسنّتي وسنّة الخلفاء الراشدين المهديين» فيه إشارة إلى أن الهداية لا تكون فقط بمجرّد التعلّق بالألفاظ، بل بلزوم الطريق العملي الموروث عن النبوة، المتمثّل في هدي الصحابة، وعلى رأسهم الخلفاء الراشدون، فإنهم تلقّوا السنّة غضّةً من فم النبي صلى الله عليه وسلم، وطبّقوها في واقع الأمة، واهتدوا فيها بنور الوحي، فكان في طريقتهم ضياءٌ لمن جاء بعدهم، وسلامةٌ من الانحراف، لأنهم لم يبتدعوا في الدين، بل نقلوا وبلّغوا وبيّنوا، وكان في اجتماعهم وتوجيههم ميزانٌ ناصح، ومقياسٌ عمليّ عند ظهور الفتن، واضطراب الأهواء.

ثم حذّر من المحدثات، فإن كل محدثة في الدين بدعة، وكل بدعة ضلالة. وهذا ميزان واضح: أن الحق ما وافق السنة، لا ما استحسنه الناس، والبدعة تفرق الكلمة، وتفتح باب التفرق والخصام.

فالنجاة في الفتن: تقوى الله، والسمع والطاعة، ولزوم السنة، ومجانبة المحدثات. ومن فعل ذلك، كان كالقابض على الجمر، لكنه على الصراط المستقيم، وإن قلّ سالكه.