التخلق بالأخلاق الكريمة

فضل الشهادة في سبيل الله ومنزلة الشهداء
7 أغسطس, 2024
يسر الدين وسماحة الشريعة الإسلامية
23 سبتمبر, 2024

التخلق بالأخلاق الكريمة

عبد الرشيد الندوي

عن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:إنما الناس كالإبل المائة لا تكاد تجد فيها راحلة.

تخريج الحديث: أخرجه البخاري في كتاب الرقاق باب رفع الأمانة برقم: 6498 والترمذي برقم: 2873، وابن حبان برقم: 5797 وأحمد برقم، 4516، والطبراني في الكبير برقم: 13105.

غريب اللفظ: قال الخطابي: العرب تقول للمائة من الإبل: إبل يقولون: لفلان إبل أي مائة بعير وقال الراغب: الإبل اسم مائة بعير فقوله: كالإبل المائة المراد به: عشرة آلاف فرد عليه الحافظ ابن حجر بقوله: الذي يظهر على تسليم قوله لا يلزم ما قاله:إن المراد عشرة آلاف، بل المائة الثانية للتأكيد انظر فتح الباري في شرح هذا الحديث.

والراحلة من الإبل: البعير القوي على الأسفار والأحمال الذكر والأثنى فيه سواء، والهاء فيه للمبالغة، وهي التي يختارها الرجل لمركبة ورحله على النجابة وتمام الخلق وحسن المنظر فإذا كانت في جماعة الإبل عرفت (النهاية لابن الأثير 2/209).

شرح الحديث: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستعين في كلامه بالأمثال البليغة ويقرب عن طريقها المعاني إلى الأذهان، فانظر في هذا المثل الذي ضربه النبي صلى الله عليه وسلم، ما أبلغه وأوجزه في اللفظ وأجزله في المعنى! يقول: إن الرجل المرضي الأخلاق المحمود الأوصاف المنتخب الخصال الذي يغني غناءه في الحياة وينفع الناس وتحمل عنهم الأشقال لا يوجد في الدنيا إلا قليلاً، وأما أكثر الناس فلا غناء عندهم، ولا تبلغ منهم آمالك، قال الحافظ المعنى لا تجد في مائة إبل راحلة تصلح للركوب، لأن الذي يصلح للركوب ينبغي أن يكون وطيئاً سهل الانقياد، وكذا لا تجد في مائة من الناس من يصلح للصحبة بأن يعاون رفيقه ويلين جانبه.

وقال الأزهري: الذي عندي فيه أن الله ذم الدنيا وحذر العباد سوء مغبتها، وضرب لهم فيها الأمثال ليعتبروا ويحذروا كقوله تعالى:)إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلنا( الآية وما أشبهها من الآي، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحذرهم ما حذرهم ويزهدهم فيها، فرغب أصحابه بعده فيها وتنافسوا عليها حتى كان الزهد في النادر القليل فقال: تجدون الناس بعدي كإبل مائة ليس منها راحلة أي: أن الكامل في الزهد في الدنيا والرغبة في الآخرة قليل كقلة الراحل في الإبل، (النهاية)

قال الحافظ: خصصه بالزاهد والأولى تعميمه في جميع الأخلاق المرضية.انتهى

وقال المناوي في فيض القدير: قال بعضهم خص ضرب المثل بالراحلة لأن أهل الكمال جعلهم الحق تعالى حاملين عن أتباعهم المشاق مذللة لهم الصعب في جميع الآفاق لغلبة الحنو عليهم والإشفاق.

والحديث إذ يرشد إلى اختيار الأصحاب واصطفاء الأصدقاء والجلساء من الناس فهو يشعر بأنه ينبغي للمرء أن يميز نفسه بين الناس بالخصال الكريمة والخلال الطيبة والصفات الحميدة وأن لا ينضم مع الهمج والرعاع الذين لا خلاق عندهم.

×