إلى القرآن الكريم سورة نوح
2 أغسطس, 2022أدب الحديث
25 سبتمبر, 2022الإسلام والسلام العالمي في الإسلام
أ. د. عبد الرحمن محمد المراكبين
لم يعتبر الإسلام في تكوين دولته شيئًا مما ألفه الناس في تكوين مجتمعاتهم ودولهم، من الأجناس والأعراف، أو اللغات واللهجات، أو المصالح المشتركة والمصير المشترك … إلخ بل سما فوق كل هذه الاعتبارات البشرية التي رأى فيها تضييقًا وتحديدًا ينافي عالميته وعموم رسالته، وترفع عن هذه الاعتبارات إلى السمو نحو المبادئ والمثل العليا؛ ليجعل منها سبيلاً إلى الوحدة الإنسانية المشتركة التي تحكمها هذه المبادئ، والتي يجللها: العدل والأمن والإخاء والسلام؛ ليحقق بذلك إنسانية الإنسان وعالمية الإسلام.
وضمانًا لسيادة العدل والأمن والسلام قرر الإسلام ما يأتي:
1. الدعوة إلى الإيمان بإله واحد هو (الله) الذي خلق الإنسان وكوّن الأكوان ليمثل العالم بذلك وحدة بشرية عابدة، أمام أحدية إلهية معبودة.
فلا تتوزعهم الآلهة، ولا تفرقهم المعبودات من دون الله.
وفي هذا الهدف الأعلى والأسمى (الله) تتلاقى البشرية وتتآخى “وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ” [المؤمنون:52].
2. قرر الإسلام أخوة العالم جميعًا ومساواتهم في الطبيعة البشرية الواحدة، وأنهم جميعًا أبناء أب واحد وأم واحدة، فلا تفاضل بينهم بالأعراق أو الأنساب أو غيرها:
“يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً” [النساء:1]، وفي الحديث: “كلكم لآدم وآدم من تراب”(1).
3. قرر الإسلام أن الله تعالى الذي ذرأهم في الأرض واستعمرهم فيها فجعلهم شعوبًا وقبائل ليتعارفوا ويتعاونوا، لا ليتناكروا ويتقاتلوا:
“يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا” [الحجرات:13].
4. قرر الإسلام أن الاختلاف في الألوان والأشكال، واللهجات واللسان (اللغات) آية من آيات الله في الخلق كدليل على عظيم قدرته، وبالغ حكمته، وبديع صنعته، وتنوع خلقه: “وَمِنْ آَيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ” [الروم:22] الذين يعلمون أن تنوع الخلق دليل قدرة الخالق وعظمته.
5. اعتبر الإسلام: التفرق والتشرذم على أساس شيء مما تقدم من اعتبارات البشر بقية من جاهليات القرون الأولى؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي ذر – رضي الله تعالى عنه – وقد عيّر بلالاً بسواد أمه: “إنك امرؤ فيك جاهلية، ليس لابن البيضاء على ابن السوداء فضل إلا بالتقوى”(2) “فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى” [النجم:32].
6. دعاء الإسلام إلى كل ما من شأنه أن يوثق أواصر هذه الأخوة والوحدة الإنسانية، وحذر من كل ما من شأنه أن يوهن أواصرها، أو يفكك عراها، وأحاط كل ذلك بسياج من الأوامر والنواهي التي من شأنها الحفاظ على بقائها واستمرارها ودوامها.
7. جعل الإسلام (الأمن والسلام) مبدأً للتعايش بين الناس،وأساسًا للعلاقة وإن اختلفت أجناسهم وأعراقهم وعقائدهم.
8. جعل الإسلام (القتال) حماية للسلام وحرية الإنسان والأديان: “وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ” [البقرة:251].
إنه السلام العالمي الذي يحمي صوامع الرهبان، ومعابد اليهود، وبيع النصارى، ومساجد المسلمين، ويصون حرية العقائد والعبادات، ويحمي حمى الناس جميعًا.
وتحقيقًا لمبدأ (السلام) قرر الإسلام ما يأتي:
1. الدعوة إلى الإسلام بالحجة والبرهان، لا بالسيف والسنان “ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ” [النحل:125] “قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ” [البقرة:111].
2. الجدل مع المخالفين المجادلين بالتي هي أحسن:
“وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آَمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ” [العنكبوت:46].
“وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ” [النحل:125].
3. ضمان حرية العقيدة والعبادة لغير المسلمين؛ فلكل إنسان الحق في أن يعتقد ما يراه حقًا دون قسر أو جبر أو إكراه: “وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآَمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ” [يونس:99] “لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ” [البقرة:256].
“وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ” [الكهف:29].
ولو كان هناك إكراه ما كان ثم ابتلاء بالإيمان والكفر، وهذا إقرار بحرية العقيدة وليس إقرارًا للكفر بالله.
4. الأمر بقبول السلام متى جنح الأعداء إلى السلام: “وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ” [الأنفال:61] “فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا” [النساء:90].
5. الأمر بالصفح والعفو بعد السلام: “فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ” [الزخرف:89] “فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ” [المائدة:13] “فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ” [الحجر:85].
بهذه المبادئ العظيمة وغيرها كان غزو الإسلام للقلوب والعقول، وكان المد الإسلامي المبارك بالحجة والبرهان، لا بالسيف والسنان، كما يدعي أعداء الإسلام.
وهكذا أشرقت شمس الإسلام على العالم من أفق الحياة العليا، والمبادئ السامية، لتذيب عفونة النظم التي كانت قائمة على الظلم والطغيان، ووأد الأمن والسلام، والتي ما تزال بقاياها قائمة في دنيا الناس يفتك معها القوي بالضعيف، ويستلب معها القادر حق العاجز، ويستنزف الغالب دم المغلوب بسادية لا يبالي معها بحقوق الآخرين في العيش بأمن وسلام، وربما كان ذلك من أهم أسباب العنف والإرهاب.
الإسلام والآخر:
والمراد بالآخر: من ليس مسلمًا، ومن ليس مسلمًا – في حكم الإسلام – ليس عدوًا للمسلمين، ما لم يعلن الآخر عداوته لهم.
والاختلاف في العقيدة والدين، ليس مبررًا للعداوة والخصومة بين المسلمين وغير المسلمين “لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ” [الكافرون:6].
بل لغير المسلمين: البر بهم، والإحسان إليهم، والعدل معهم وبينهم ما داموا سلمًا للمسلمين: “لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ” [الممتحنة:8].
وهل هناك تسامح وسلام يتسامى إلى قول الله تعالى لرسوله في شأن المشركين: “وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ” [التوبة:6]، وإلى قوله تعالى: “فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ” [الزخرف:89] ومن ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم وقد أظفره عليهم: “اذهبوا فأنتم الطلقاء”(3).
الإسلام وأهل الكتاب:
من الآخر الذين تعامل معهم الإسلام، وتمتعوا بسلامه وسماحته؟ هم الذين يسمّون بأهل الكتاب، ونخص منهم “اليهود، و النصارى”.
ومع أن هؤلاء لا يعترفون بالإسلام دينًا، إلهيًّا معصومًا “ورغم هذا التاريخ العدائي للإسلام بالتشكيك فيه والافتئات عليه، فإن الإسلام لا يبادل أحدًا عداء بعداء ما لم يتحول هذا العداء إلى عدوان عليه وحرب لأهله” فإن الإسلام يدعو إلى الإيمان بموسى وعيسى عليهما السلام، وإلى الإيمان بالتوراة والإنجيل، ويجعل ذلك ركنًا من أركان الإسلام، كالإيمان (بمحمد والقرآن).
أما معاملتنا لهم – في محيط الإسلام – فتتمثل فيما يأتي:
1. احترام عقائدهم وشعائرهم، وتوفير الحرية لهم.
2. إقامة العدل معهم وبينهم، وتوفير الحماية لهم.
3. معاملتهم على أساس من البر بهم والإحسان إليهم.
أما في مجال الحرب معهم:
فإن الإسلام يقدم السلام على الحرب معهم، وكان من تعاليم الإسلام ألا يبدأ المسلمون غيرهم بقتال قبل أن يعرضوا عليهم الإسلام والسلام.
وكان من وصايا النبي صلى الله عليه وسلم للمجاهدين من المسلمين،: أن لا يتمنوا لقاء العدو، وأن يسألوا الله السلامة والعافية.
وكان من وصاياه إذا وقع القتال: أن لا يقتلوا شيخًا كبيرًا، أو طفلاً صغيرًا، أو امرأة غير مقاتلة، وأن لا يهدموا بناء، وأن لا يقطعوا شجرًا مثمرًا، وأن لا يتعرضوا للعباد والرهبان. (مع الشكر لمجلة “الأزهر” يوليو 2022م)