المرجعية الدينية في الأعمال الأدبية (رواية غصن أعوج للروائي القطري أحمد عبد الملك نموذجا) (2/الأخيرة)

المرجعية الدينية في الأعمال الأدبية (رواية غصن أعوج للروائي القطري أحمد عبد الملك نموذجا) (1)
2 أغسطس, 2022
من دارة الأحزان في رثاء الصديق الدكتور عبد القدوس أبو صالح
24 أغسطس, 2022

المرجعية الدينية في الأعمال الأدبية (رواية غصن أعوج للروائي القطري أحمد عبد الملك نموذجا) (2/الأخيرة)

كتبه: حسيب الرحمن الندوي

باحث في قسم اللغة العربية وآدابها بالجامعة الملية الإسلامية، نيو دلهي

خلاصة الرواية

تتحدث هذه الرواية عن عائلة مسلمة ترجع جذورها إلى أسر عربية أسكنها قتيبة بن مسلم الباهلي في قرية تسمى أفشنا وهي تابعة لمدينة بخارى، عندما فتح تلك المنطقة، في زمن الفتح الإسلامي الأول، وذلك بهدف تعليم المسلمين الجدد الدين الإسلامي وتعاليمه وتوجيهاته. وهذه العائلة تتكون من يوسف وهو رب البيت يعيش في قرية أفشنا مع زوجته وابنته سمية، وابنه حسن، غير أنها تتعرض للتعصب العنصري والاستخفاف من قبل بعض السكان لكونها من جذور عربية، حيث يعتبرونها من بقايا الغزاة والمحتلين لهذه الأرض في زمن ما… واتفق أن وقع حسن -وهو شاب وسيم يساعد والده في أعماله ويعاونه في كسب لقمة العيش- في حب فتاة جميلة تسمى شجن. وتبين فيما بعد أنها ابنة ملك المنطقة المدعو جبار. وكان الملك جبار مهددا من قبل الخراقنة -وهم جيش الفرس- وكانوا يخططون للهجوم عليه والاستيلاء على منطقته، فما كان له بد من أن يستعد للقتال حفاظًا على مملكته.

عمل يوسف النجار وابنه مع سكان القرية على الاستعداد للحرب وتجهيز الأسلحة. ولكن يوسف مات خلال عملية الاستعداد بعد ما أغمي عليه في مكان العمل…. نشبت الحرب، ولم يستطع الملك أن يدافع عن مملكته، فسيطر العدو على قرية أفشنا، وأسر الملك مع جميع أفراد أسرته الحاكمة، في الوقت الذي تمكن فيه حسن من النجاة بنفسه وعائلته والخروج من القرية ليرجع إليها لاستردادها من أيدي العدو. تواصل حسن مع الحكام المسلمين المجاورين، وتوالت الأحداث إلى أن تمكن حسن من استرداد قرية أفشنا من العدو، وردها إلى الملك جبار بعد إخراجه من الأسر،… وبعد ما استقر الأمر طلب الملك جبار حسنا وسأله عما يريد جزاء ما فعل في مواجهة العدو واستعادة المملكة إليه؟ وعندما يرى حسن هذا الكرم من قبل الملك تجرأ وطلب منه يد ابنته، فنهره الملك ورفضه باحتقار شديد..وقال له: “لا تنظر كثيرًا إلى أعلى.. أنت غصن أعوج يا حسن. أنت غصن أعوج”(7). إشارة إلى أنه من أصل عربي.

وإن كانت هذه الرواية تغلب عليها المرجعية التاريخية حيث إنها تستوحي قصة من الماضي، ويذكر الشخصيات والأحداث والأمكنة التاريخية غير أن المرجعية الدينية هي الأخرى لها دور كبير في إحداث الأثر الذي يريد الكاتب دفع قراء الرواية إليه.

استخدم الكاتب في هذه الرواية المرجعية الدينية استخدامًا، ليعرج على تقويض بناء ثقافة العصبية العنصرية التي يعاني منها كثيرًا ما حتى الإنسان المعاصر في كثير من البلدان والأوطان على أساس من الدين والعرق والوطن والجنسية.. وقد “ناقشت الرواية النظرة إلى الآخر على أساس عرقي وديني وقبلي وأيديولوجي، وكيف تتحكم عدة عوامل تاريخية وثقافية في رسم الصورة وتحديد العلاقة بين الذات والآخر فضلا عن دور اللحظة التاريخية في فرض تلك الأنساق الثقافية على الأفراد، ودخول عوامل تاريخية وثقافية وعسكرية ونفسية وأيديولوجية في تشكيل الصور النمطية عن الآخر”(8).

كما أن الروائي يتناول عددا من القضايا الأخرى في طيات الرواية وأحداثها لا يسع المقام ذكرها، لنركز على المرجعية الدينية وتجلياتها في الحوار والأحداث الفاعلة في رواية غصن أعوج.

بعض تجليات المرجعية الدينية

هذه الرواية وإن اتخذت مرجعيتها من الأحداث والأمكنة والشخصيات التاريخية، وبالتالي تعتبر رواية تاريخية بالدرجة الأولى غير أن المرجعية الدينية هي الأخرى تسيطر بقوتها في جميع أحداثها، وحواراتها..و أكتفي فيما يلي بذكر بعض الأمثلة من هذه المرجعية الدينية فقط، تجنبًا الإطالة.

النصوص الدينية

نجد الإشارة إلى المرجعية الدينية في استخدام النصوص الدينية من آيات القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة وكلمات الأدعية مثلما جاء من الآيات الكريمة “إن الله مع الصابرين”(9)، و”إنا لله وإنا إليه راجعون”(10)، ومن كلمات الأدعية “أستغفر الله العظيم”(11)، و”لا حول ولا قوة إلا بالله” ومن الأحاديث النبوية الشريفة “الحرب خدعة”(12). ومما يستفاد من النصوص الدينية كما في هذا الحوار التالي:

” سيدي! خلق الله البشر كلهم متساوين، لا فرق بينهم ولا في الشكل ولا اللون ولا العرق، المهم أن يؤمن الإنسان ويقوم بالعمل الصالح”(13)، إشارة إلى الآية الكريمة ” إنا خلقناكم من ذكر وأنثى، وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا، إن أكرمكم عند الله أتقاكم”(14)، وإلى الحديث النبوي الشريف ” الناس بنو آدم، وآدم خلق من تراب”(15)، و”الحمد لله على كل حال، يعطي الأمانة ويأخذها متى شاء”، إشارة إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم ” إن لله ما أخذ، وله ما أعطى، وكل شيء عنده بأجل مسمى، فاصبر واحتسب”(16)، وإلى قصة أم سليم في كتب الحديث، وأمثلتها كثيرة في ثنايا الكتاب، استمد منها الكاتب مادته المفعمة بالمعاني والدلالات، ليكون القارئ في جو طاهر قدسي، يرى نفسه مرتبطا بالله سبحانه وتعالى وبالتعاليم الدينية.

الأمكنة المقدسة

وكما استخدم الروائي الأمكنة المقدسة كمرجعية دينية مثل ما جاء في الحوار: ” نحن في خدمتكم، وقد يكتب الله لنا أن نزور بيته الحرام، معا، ولسوف آخذكم إلى مدينة أحدادي قرب مكة المكرمة”.. ولا تنسى يا أم خالد..أن لدينا الآن أدلاء نحو بيت الله الحرام”، و” تمنيت زيارة بيت الله في مكة”(17)، “وإتمام شعائر الحج في مكة المكرمة، وزيارة قبرة الرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة”(18). وكذلك نرى المسجد يأتي ذكره مرارا وتكرارا ضمن الأحداث والحوارات كما في”فتح باب البيت وخرج إلى المسجد” وفي “المسجد متواضع البنيان، تعلو سقفه بعض الأخشاب الواهنة.. تغطيها أغصان الأشجار” وكذلك “وغادر المسجد بكل طمانينة”(19). فكل هذه الأمكنة تحمل دلالات دينية، وتبعث في القاري والناقد نوعا من العاطفة الدينية، وقد استخدمها الكاتب ليضفي على الأحداث والجو الذي تقع فيه الأحداث ظلالا من القداسة والاحترام.

الشخصيات الدينية

وكذلك ذكر الكاتب في هذه الرواية عددًا من الشخصيات التاريخية التي تذكرنا أسماؤهم بما قاموا به من أعمال جليلة في خدمة الدين والعلم والمجتمع. فمثلا وظف الروائي شخصية الإمام محمد بن إسماعيل البخاري لتأكيد أهمية المكان، ولبيان ارتباط شخصيات الرواية به من الناحية الدينية، حيث يقول في موضع ذكر أم حسن أنها كانت تحتفظ فيما تحتفظ به من مخطوطات” ومنها نسخة فريدة من كتاب أوراق البخاري راوية الحديث المعروف، وصاحب كتاب الجامع الصحيح”(20). وكذلك ذكر شخصية ابن سينا والفارابي وغيرهم من العلماء والفلاسفة الذين تركوا بصمات على مختلف العلوم والفنون في العالم الإسلامي. وهذا أيضًا مثال من أمثلة توظيف المرجعية الدينية في الأعمال الأدبية.

الأعمال الدينية

ونجد كذلك توظيف المرجعية الدينية من خلال الأعمال الدينية التي يأتي ذكرها ضمن الأحداث أو أفعال شخصيات الرواية، فنجد الروائي يذكر الصلاة والدعاء في مواضع كثيرة من الرواية فيقول ” أنهى الإمام الصلاة، التفت نحو المصلين بوجهه السمح يردد كلمات الدعاء”. و”خرج المصلون يرددون اسم الله ويشكرونه على نعمه”(21)، و”واصطف يوسف مع المصلين من كل الأعمار”(22)… وهناك أمثلة كثيرة لمثل التوظيف للمرجعية الدينية في هذه الرواية.

خاتمة

وبما أنني ركزت في هذا البحث على جانب واحد فقط من جوانب البحث والدراسة لهذه الرواية، وهو جانب توظيف المرجعية الدينية فيها، فقد حاولت أن أبرز ما فيها من توظيف لهذه المرجعية. لأن قضية الرواية هي قضية العنصرية والطائفية. ولقد حاول الإسلام أن يقضي عليها منذ انطلق من مكة المكرمة، ولكن جذورها لا تزال ثابتة في المجتمع، وأفضل الطرق للقضاء عليها وبيان شناعتها هي المرجعية الدينية. ولا شك في أن المرجعية التاريخية هي الحاضنة لجميع المرجعيات الثقافية في هذه الرواية، غير أن المرجعية الدينية فيها تحمل دلالات واضحة، وتحدث في نفس القاري شوقا لما فيها من أفكار وعواطف.

الهوامش:

  1. لغامدي، سعيد، المرجعية في المفهوم والمآالات، مركز صناعة الفكر للدراسات والأبحاث، بيروت، ط1، 2015، ص28
  2. مختار، أحمد، وآخرون، معجم اللغة العربية المعاصرة، مادة: )ر.ج.ع(، ج2، عالم الكتب، القاهرة، ط1، 2008، ص863
  3. مرتاض، عبدالملك، نظرية النص األدبي، دار هومة، الجزائر، ط2، 2010، ص374
  4. المسيري، عبدالوهاب، الفلسفة المادية وتفكيك اإلنسان، دار الفكر، دمشق، ط4، 2010، ص3
  5. د/ حكيمة سبيعي وأ/ هولي بوزياني خولة، المرجعيات الثقافية بين المفهوم والتوظيف في مجلة البحوث والدراسات المجلد 6، عام 2019_ جامعة الوادي الجزائر
  6. باختصار من المقابلة بعنوان “كتاب مميزون، أحمد عبد الملك، حلقة 6، 30 يوليو عام 2018”
  7. غصن أعوج ص 207
  8. عفيفة الكعبي، المرجعية الثقافية في الخطاب الروائي
  9. غصن أغوج ص 72
  10. نفس المصدر ص 73
  11. رواية غصن أعوج ص 46
  12. رواه البخاري برقم 3030
  13. نفس المصدر ص 134
  14. سورة الحجرات الآية رقم 13
  15. رواه الترمذي برقم 3955
  16. رواه البخاري برقم 1284
  17. غصن أعوج ص 136
  18. غصن أعوج ص 11
  19. نفس المصدر ص12
  20. نفس المصدر ص32
  21. نفس المصدر ص 12
  22. نفس المصدر ص 11
×