شعر وحكمة

عاصفة يواجهها العالم الإسلامي والعربي (2)
14 سبتمبر, 2020
التكلّف في الكتابة
14 سبتمبر, 2020

شعر وحكمة

في آخر العهد الأموي لما كانت الخلافة تواجه تيارات مضادة، وثورات تهدد كيانها بسبب عصبيات وقوميات، عربية وفارسية، فئة تحاول القضاء على عناصر غير عربية، وفئة أخرى تريد القضاء على كل شيء يمتُّ بصلة إلى العرب والعربية، كان آخر الخليفة الأموي مروان بن محمد مشغولاً بالخوارج، فكتب إليه والي خراسان نصر بن سيار الليثي ينبهه فيه بعصابة أبي مسلم الخراساني الذي كانت حركته تشتد يوماً بعد يوم لإبادة النفوذ الأموي.

أرى جذعاً إن لم يثن لم يقو ريض

عليه فبادر قبل أن يثنى الجذع

فلم يجبه مروان فكتب إليه ثانية:

أرى خلل الرماد وميض نار

ويوشك أن يكون لها ضرام

فإن النار بالزندين تورى

وإن الحرب أولها كلام

لئن لم يطفها عقلاء قوم

يكون وقودها جثث وهام

أقول من التعجب ليت شعري

أأيقاظ أمية أم نيام

فإن كانوا لحينهم نياماً

فقل قوموا فقد حان القيام

ويقول ابن خلكان: فأبطأ عنه الجواب واشتدت شوكة أبي مسلم، فهرب نصر من خراسان، وقصد العراق، فمات في الطريق، وتوالت الأحداث إلى أن انكسر عسكر مروان، وهرب إلى الشام، ثم إلى مصر حيث قتل، وانتهت به الخلافة الأموية، واستقر أمر العباسيين.

وكان أبو مسلم عند ذلك ينشد في كل وقت:

أدركت بالجزم والكتمان ما عجزت

عنه ملوك بني مروان إذ حشدوا

ما زلت أسعى بجهدي في دمائهم

والقوم في غفلة بالشام قد رقدوا

حتى طرقتهم بالسيف فانتبهوا

من نومة لم ينمها قبلهم أحد

ومن رعى غنماً في أرض مسبعة

ونام عنها تولى رعيها الأسد

إن للحكم التي يتضمنها هذه الأبيات المذكورة رغم كونها حكمة قديمة، علاقة بكل عصر ومصر، وفي هذا العصر الذي يعتبر تنويم الشعب وسيلة أساسية لإبقاء السيطرة تحمل هذه الأبيات أهمية خاصة، وفي بلد تحاول الطبقة الحاكمة تنويم الشعب، وتحاول الدول الخارجية تنويم هذه الطبقة عن تأدية فرائضها وواجباتها القومية واختصاصاتها.

فعندما نحلل الأحداث الحالية التي يواجهها العالم الإسلامي،والحركات الهدامة التي تهدد وجود الكيان الإسلامي في جناحيه العربي وغير العربي، نجد أن هذه الحكمة هي العنصر الأساسي الذي يكون مصير البلاد.

كان التسامح المتطرف مع الاتجاهات الانفصالية، والحركات المضادة للقومية الإسلامية، والسماح لكل حركة بأن تمارس نشاطاتها في العالم الإسلامي رغم وجود كل أنواع الاضطهاد ضد المسلمين ودينهم في الدول الخاضعة للمذاهب الأخرى، كان دائماً أساس القلاقل والبلابل في العالم الإسلامي، وعندما تتبلور الأخطار وتتقوى القوى المعادية وتصبح تياراً جارفاً، ويشعر الحكام بأن موقفهم في خطر، فيلتجأون إلى اتخاذ إجراءات قاضية بعد فوات الأوان، ومنهم من لا يشعر فيجرفه التيار، ويزجه إلى مجاهل التاريخ تاركاً وراءه آثار الدماء.

إن الأحداث القلقة التي تواجهها الدول الإسلامية، تناشد جميع الحكام والقادة إلى إعادة النظر في مخططاتهم، وسياساتهم، وتدعو إلى تفكير جدي في اعتمادهم على عناصر، لا تنسجم معها في الفكر والعقيدة، والمصلحة، وتتنافى مع طبيعة وبيئة العالم الإسلامي ومصالحه، قبل أن تتأصل جذورها وتصبح حركات أو قوى تسيطر على زمام الأمور أو تلقى الأمة الإسلامية في لهب الحرب الأهلية، أو الصراع العسكري كما يحدث في بعض أجزاء العالم الإسلامي، فقد اشتعلت النيران في بعض الدول وتوجد نار تحت رماد في دول أخرى.

من الحقائق المرة التي قد تبدو في هذا الوقت من نسيج الخيال أن قادة في بعض الدول يعملون بجميع سلطاتهم وأجهزتهم الإدارية لنقل السلطة إلى الأعداء الكامنين الذين يبدون صداقتهم وولاءهم، ولكنهم يدبرون الاستيلاء على مواقع النفوذ والسيطرة من مختلف الأجهزة الإدارية والتعليمية بتائيد وبدون تائيد الطبقة المخلصة في كل بلد تحب بلادها، وتقدس دينها ومقدساتها وتاريخها وتقوم بواجبها بجرأة وإخلاص ويقظة وقد قيل:

ومن رعى غنماً في أرض مسبعة

ونام عنها تولى رعيها الأسد

(من ارشيف الرائد، السنة:12، العدد:21، ربيع الأول 1391هـ، أول مايو 1971م.)

 

 

(محمد واضح رشيد الحسني الندوي رحمه الله تعالى)

×