أيام في الربوع العربية (1)

Test
16 مايو, 2024
أيام في الربوع العربية (2)
6 يونيو, 2024

أيام في الربوع العربية (1)

الشيخ محمد الرابع الحسني الندوي الحسني الندوي

[في عام 1973م قررت رابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة أن ترسل وفودًا إلى مختلف بلدان العالم، وقد كانت برامج هذه الوفود تشمل القارات الخمس، وكان هدفها الرئيسي الاطلاع على أوضاع المسلمين ومؤسساتهم ومنظماتهم العلمية والثقافية وحاجاتها وأعمالها ونشاطاتها، وتعرف أهلها بأهداف الرابطة ورسالتها، واختارت الرابطة سماحة الشيخ أبي الحسن علي الحسني الندوي رئيسًا للوفد الذي توجه إلى أفغانستان، وإيران، ولبنان، وشرق الأردن، والشام والعراق، ورافقه في هذه الرحلة فضيلة الشيخ محمد الرابع الحسني الندوي، وقيد ما شاهده في هذه الرحلة، ولكنه لم ينشر، لأن العلامة الندوي نشر هذه الرحلة باسم ” من نهر كابل إلى نهر يرموك” وقد نالت هذه المذكرة قبولا واسعا، والآن ننشر المذكرة التي قيدها فضيلة الشيخ محمد الرابع الحسني الندوي وكانت محفوظة في المكتبة العامة لندوة العلماء، لإفادة القراء بالأقساط].

الرحلة:

وصلت إلى مكة المكرمة صباح السبت 21/ من شهر جمادى الآخرة 1393هـ الموافق 21/ من شهر يوليو 1973م، وكان أستاذنا خالي السيد أبو الحسن ينتظرني بفارغ الصبر، لأنه بعد قضائه للمدة التي قرر فيها الإقامة في الحرمين الشريفين، كان يطيل الإقامة في الانتظار ولحضوري حتى يبدأ الجزء الثاني من جولته الإسلامية على رأس الوفد الثقافي الإسلامي الذي انتدبته رابطة العالم الإسلامي لبلدان غرب آسيا وهي بلدان الهلال الخصيب: لبنان، والأردن، وسوريا، والعراق، وكان الجزء الأول من جولته في بلاد أفغانستان ثم إيران، وقد كانت هذه الرحلة ناجحة مفيدة، لها قيمتها وتأثيرها في مجال التعارف الإسلامي وتقارب النظر والتعاون المثمر في الشؤون الإسلامية.

ولقد رافقه في أول هذه الجولة أخونا وصديقنا المؤقر الدكتور عبد الله عباس الندوي أحد أعضاء الأسرة الإدارية لرابطة العالم الإسلامي، ولكن استمراره في مرافقة أستاذنا لمدة أطول كان عسيرًا لأسباب خاصة فأصبح أستاذنا في حاجة إلى مرافق آخر يساعده في مهامه الخاصة في الجزء الثاني من الجولة، فوقع الاختيار عليَّ وطلبتني رابطة العالم الإسلامي إلى مكة المكرمة لأكون من هناك في ركاب هذا الوفد، وأرسلت إليّ تذكرة السفر والإيعاز اللازم للتأشيرة وأخبرتني بذلك ولكن الإجراءات كانت بطيئة جدًا، فلم أتلق كل ذلك إلا بتأخير أسبوعين، ووجدت أكثر هذا البطء من الطيران السعودي، ولا أدري لماذا كان ذلك.

زيارة الحرمين الشريفين:

على كل، فقد تمت الإجراءات في الأسبوع الثالث من الشهر ووفقت للوصول إلى مكة المكرمة قبل ظهور الفجر من يوم السبت، والتقيت بأستاذنا الجليل وأبلغته تحيات الأسرة والأصدقاء في الهند، وأخبرني فضيلته أنه قرر لي قضاء ثمانية أيام في الحجاز لأقضى لبانتي من العمرة وأداء الصلوات في الحرم المكي الشريف، ومن زيارة مدينة النبي الكريم والصلاة والتسليم عليه وإن كانت هذه المدة قصيرة جدًا بالنسبة إلى ما لهاتين المدينتين من مطالب روحية مقدسة، ولكن القليل خير من المعدوم، والقليل كثير إذا تقبل الله هذا القليل وحالف منه لصاحبه التوفيق، وكان جو مكة المكرمة والمدينة المنورة حارًا، فقد كان الفصل فيهما فصل الصيف، ولكن الحر فيهما لم يكن فوق الاحتمال، وهذا من لطف الله وكرمه.

أقمت في مكة المكرمة أربعة أيام وكانت إقامتي في بيت أخينا الكبير الدكتور عبد الله عباس وهو يقوم بضيافتنا دائمًا برحابة الصدر البالغة، وحب كبير حتى كأن بيته بيتنا.

وزرنا خلال هذه المدة مدينة الطائف ومدينة جدة كذلك وسعدنا بلقاء عدد من أعيان المملكة وطائفة من أصدقائنا، في هذه المدن الأربعة الكريمة، وأسعدنا الله تعالى بزيارة شيخنا العلامة الجليل سماحة شيخ الحديث الشيخ محمد زكريا الكاندهلوي نزيل المدينة المنورة في هذه الأيام، وقد تكرم على وأضافني طيلة إقامتي في المدينة المنورة.

أعضاء الوفد:

وتقرر السفر إلى بيروت يوم الأحد التاسع والعشرين من تموز (يوليو) وكان في الوفد مع فضيلة أستاذنا السيد أبي الحسن المؤقر، سعادة الأستاذ أحمد محمد جمال عضو مجلس الشورى في المملكة وعضو اللجنة الثقافية لرابطة العالم الإسلامي، وأستاذ الثقافة الإسلامية بجامعة الملك عبد العزيز بجده، وهو صاحب مؤلفات قيمة عديدة في الموضوعات الإسلامية، وله مكانة علمية وإسلامية مرموقة، والأستاذ الأخ عبد الله محمد باهري سكرتير إدارة المؤتمرات والمجلس التأسيسي في الرابطة كسكرتير للوفد.

إلى بيروت:

توجهنا إلى بيروت قبل وقت العصر ووصلنا إليها قبل وقت المغرب، واستغرقت الرحلة ساعتين وعشرين دقيقة، واستقبلنا على مطار بيروت مندوب من وزارة الخارجية اللبنانية القائم بأعمال السفارة السعودية ببيروت سعادة الشيخ عبد المحسن والمدير العام لدار الفتوى في لبنان سعادة الأستاذ حسين القوتلي مندوبًا عن سماحة الشيخ حسن خالد مفتي الجمهورية اللبنانية، وفضيلة الشيخ سعدي يسين العضو التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي، وسعادة الأستاذ عبد الحكيم عابدين مستشار الرابطة في بيروت وغيرهم من معارف الوفد في بيروت، ومن المطار توجهنا إلى محل إقامتنا في مصيف من مصائف بيروت وهو جبل بحمدون على مسافة 25 كيلومترا من مدينة بيروت، وارتفاعه على سطح البحر ألف ومائة متر، ونزلنا في فندق شبرد الواقع في أعلى هذا الجبل، وبحيث أن الرابطة كانت قد أبرقت بصورة خاصة إلى مفتي الجمهورية اللبنانية بتوجه الوفد إلى لبنان، فاستضافه سماحة المفتي من قبل دار الفتوى التي هو يشرف عليها وقرر نزوله في هذا الفندق، ودار الفتوى في لبنان هي المؤسسة الرسمية العليا لإدارة شؤون المسلمين في لبنان، وسماحة المفتي هو رئيسها والمشرف عليها رسميًا، والحكومة اللبنانية تعتمد على هذه المؤسسة كأكبر مؤسسة رسمية للمسلمين في جمهورية لبنان، وترجع إلى رأيها في جميع الشؤون المهمة لمسلمي هذه البلاد، وتقوم بتكفل جانب مهم من مصاريفها، وذلك بجنب مؤسسة أخرى تقوم برعاية شؤون المسيحيين في لبنان، وحكومة لبنان حكومة ثنائية تتكون من رئيس الجمهورية المسيحي ورئيس الوزراء المسلم بمقتضى الدستور السائد في البلاد (يتبع).

×