منهج الشيخ أبي الحسن علي الحسني الندوي في الفكر والدعوة (4)
7 أبريل, 2022خصائص التشريع الإسلامي في الصوم وفضله
16 أبريل, 2022الفضيلة لدى مفكري المسلمين
الأستاذ الدكتور محمود حمدي زقزوق
لقد كان لنظرية أفلاطون في الفضائل الأساسية: الحكمة والعفة والشجاعة والعدالة، ولنظرية الأوساط الأرسطية في الفضيلة أثر كبير لدى الكثيرين من مفكري المسلمين وبخاصة المشتغلين بالأخلاق.
فقد جرى ابن مسكويه والغزالي – على سبيل المثال – على رأي أفلاطون في أصول الفضائل الأربع المشار إليها.
وفي ذلك يقول ابن مسكويه:
“أجمع الحكماء على أن أجناس الفضائل أربعة وهي: الحكمة والعفة والشجاعة والعدالة، ولهذا لا يفتخر أحد ولا يتباهى إلا بهذه الفضائل فقط، فأما من افتخر بآبائه وأسلافه فلأنهم كانوا على بعض هذه الفضائل أو عليها كلها”(1).
ويؤكد ابن مسكويه على العدالة، لا بوصفها جزءًا من الفضيلة العامة، بل يعتبرها الفضيلة كلها(2).
ولا يبعد الغزالي عن ذلك أيضًا بتقريره في الإحياء وفي ميزان العمل لأمهات الفضائل الأربع التي هي جماع كل خير، وهي: الحكمة والشجاعة والعفة والعدالة، بل إنه ليرى رأي أفلاطون في العدالة – كما فعل ابن مسكويه أيضًا – عندما يقول: إنها جماع كل فضيلة، كما أن الجور جماع كل رذيلة، وعلى هذا لا تكون العدالة واحدة من الفضائل الأربع، بل تكون جملتها معًا(3).
كما شاعت نظرية الأوساط في الفكر الإسلامي، وقد دعم هذا الاتجاه ما ورد في القرآن والسنة من الحث على الاعتدال والبعد عن الإفراط والتفريط في الأمور من مثل قوله تعالى:
“وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا” [الإسراء:29](4).
ويعبر ابن مسكويه عن تبنّيه لنظرية الأوساط فيقول في “تهذيب الأخلاق” – بعد حديثه عن أمهات الفضائل – ما يأتي:
“ولما كانت هذه الفضائل أوساطًا بين أطراف، وتلك الأطراف هي الرذائل وجب أن تفهم منها… وينبغي أن تفهم من قولنا: إن كل فضيلة هي وسط بين رذائل ما أنا واصفه…. ينبغي أن يفهم معنى الوسط من الفضيلة إذا كانت بين رذائل بعدها منها أقصى البعد، ولهذا إذا انحرفت الفضيلة عن موضعهاالخاص بها أدنى انحراف قربت من رذيلة أخرى، ولم تسلم من العيب بحسب قربها من تلك الرذيلة التي تميل إليها، ولهذا صعب جدًّا وجود هذا الوسط، ثم التمسك به بعد وجوده أصعب”(5).
ويقرر الغزالي أيضًا أن الفضيلة وسط بين طرفين واعتدال؛ فأن كلا طرفي قصد الأمور ذميم، ولكن إذا كان أرسطو قد أحال تحديد الوسط العادل إلى العقل، وإلى خبرة الرجل الحكيم، فإن الغزالي يرى أن تحديد الوسط وحد الاعتدال من اختصاص العقل والشرع معًا(6).
ولعل شيوع نظرية الأوساط في الفكر الإسلامي يوحي بأنها مأخوذة أو متأثرة بنظرية الأوساط الأرسطية، فهل حدث بالفعل نقل أو تأثر في هذا الصدد؟
يجيب المرحوم الدكتور دراز على ذلك بالنفي القاطع ويقول:
“لعل من المفيد أن نسجل تقاربًا بين النظريتين، ولكنا نرى على وجه التحديد أن مسألة معرفة ما إذا كان يوجد أو لا يوجد بينهما بنوة تاريخية – غير مطروحة – فالدنيا كلها تعرف أن القرآن (الذي استمد منه المسلمون أصول نظريتهم) لاحق لنظرية أرسطو، ولكن الدنيا تعرف من ناحية أخرى، أن من الخطأ البيّن تاريخيًا القول بفرض حدوث استعارة، فإن الصلة بين الفكر الإسلامي والفلسفة الهلينية لم تبدأ في الواقع إلا بعد قرنين من ظهور الإسلام”(7).
أٌقسام الفضيلة:
يقسم أفلاطون الفضيلة إلى قسمين:
1-فضيلة فلسفية: وتتمثل في عمل الخير الذي يكون مؤسسًا على التفكير وفهم الأساس الذي ينبني عليه العمل، إذ إنه ليس يشترط في الفضيلة معرفة ما هو الحق فقط، بل يشترط أيضًا معرفة لم كان هذا الحق حقًا.
2-فضيلة عادية تقليدية: وهي عمل الخير الناشئ عن عُرف أو تقليد أو غريزة أو عطف، فعمل الخير لأن الآخرين يعملونه من غير فهم لماذا كان هذا حقًا هو فضيلة الناس الطيبين من عامة الناس، ولكن أفلاطون لم يجرد الفضيلة العادية من القيمة بل جعل لها دورًا في التهيئة والاستعداد للفضيلة الفلسفية، فالإنسان لا يستطيع أن يقفز إلى قمة الفضيلة الفلسفية دفعة واحدة، ولهذا فإنه لابد له من التدريب والتدرج في السير للوصول إليها، ويساعد على ذلك الاعتياد على الأفعال الفاضلة، وغرس الفضائل العرفية والعادات الحسنة، حتى إذا جاء دور التفكير والتأمل كان الاستعداد لذلك حاصلاً، واستطاع الإنسان أن يصعد إلى الفضيلة الفلسفية على هذا الأساس(8).
وهناك تقسيمات أخرى عديدة للفضيلة مبنية على اعتبارات مختلفة، ويكفي هنا أن نشير إلى بعض هذه التقسيمات، فاللاهوتيون يقسمون الفضائل إلى فضائل لاهوتية، وموضوعها الله، وهي الإيمان والرجاء والمحبة، وفضائل عقلية: وموضوعها أمور تتعلق بالملكات العقلية للإنسان وتتمثل في: التمييز والحكمة، وفضائل أخلاقية وعلى رأسها الفضائل الأصلية.
ولبعض المحدثين تقسيم آخر تبعًا للموضوع، فهي تنقسم إلى: فضائل شخصية مثل العفة والشجاعة والحكمة، فكلها فضائل تعمل على ضبط النفس وتهذيبها، وفضائل اجتماعية تشمل العدل والإحسان، وفضائل دينية تشمل الفضائل التي ينبغي على المرء أن يتصف بها في صلته بخالقه(9).
وهناك تقسيمات أخرى إلى فضائل إيجابية كالأمل مثلاً؛ لأنه يحمل صاحبه على العمل في سبيل الحياة، وفضائل سلبية كالزهد؛ لأنه يجعل صاحبه راضيًا بما قد يكون عليه من سوء الحال، وفضائل فردية كالقناعة لأنها تخص صاحبها بالذات، وفضائل اجتماعية كالأمانة لأن الإنسان يحتاج إليها حين يعامل الناس(10). وهذه تقسيمات يمكن أن تتدرج تحت التقسيم السابق.
ومن بين التقسيمات المعاصرة نجد دوبرئيل Dupreel يقسم الفضائل إلى قسمين:
1-فضائل مباشرة وهي التي تنتج قيمتها مباشرة من نتائج ممارستها ويرجع هذا النوع من الفضائل إلى فضيلتين اثنتين فقط وهما الإحسان “أو المحبة” والعدالة.
2-فضائل غير مباشرة لا تقاس قيمتها بقيمة نتائجها المباشرة، بل تقدر قيمتها بوصفها كمالا لصاحبها مثل الشجاعة والعفة والتواضع والحشمة والصدق والإخلاص والأمانة.
ولكن دوبرئيل يعترف مع ذلك بأن هذا التقسيم غير دقيق، هذا فضلاً عن أنه يفتقد الأساس الذي يقوم عليه(11).
الهوامش:
1-تهذيب الأخلاق، ص: 17.
2-تهذيب الأخلاق، ص: 119.
3-فلسفة الأخلاق في الإسلام: 153
4-وقد ذهب أحد الباحثين إلى أن معيار الفضيلة الإسلامية ليس الوسط، وإنما معيارها الوحيد هو التناسق الخلقي، وهي وجهة نظر جديرة بالاعتبار، راجع تفصيل ذلك في: الفضائل الخلقية في الإسلام للدكتور أحمد عبد الرحمن إبراهيم، الرياض، 1982م.
5-تهذيب الأخلاق، ص: 24-25.
6-فلسفة الأخلاق في الإسلام، ص: 156.
7-دستور الأخلاق في القرآن ص: 670.
8-قصة الفلسفة اليونانية، ص: 122-123.
9-الأخلاق، لأحمد أمين، ص: 197-198، والأخلاق النظرية، ص: 154.
10-الأخلاق عند الغزالي لزكي مبارك، ص: 128-129.
11-الأخلاق النظرية، ص: 155-156.