الدكتور / أبو سحبان روح القدس الندوي
[لا جرم أن “وقعة جلولاء .. ذات أهمية كبيرة في التاريخ، وقعت في سنة 16، أو 17، أو 19 من الهجرة على اختلاف الأقوال، اعتنى بذكرها المؤرخون وأصحاب التراجم، ذكر وقعتها ابن كثير في “البداية والنهاية” (7: 69) في حوادث سنة ست عشرة، ومن ثم انتزعتها للوقوف عليها تعميمًا للفائدة.
أما “جلولاء” فضبطها ابن خلكان في “وفيات الأعيان” (3: 16): “بفتح الجيم وضم اللام ومدّ آخره “قائلاً: أنها” قرية بناحية فارس، كانت بها الوقعة المشهورة زمن الصحابة رضي الله تعالى عنهم واعتنى بذكرها العلامة شبلي النعماني في كتابه “الفاروق”]
لما سار كسرى(1) وهو يزدجرد بن شهريار من المدائن(2) هاربًا إلى حلوان(3) شرع في أثناء الطريق في جمع رجال وأعوان وجنود، من البلدان التي هناك، فاجتمع إليه خلق كثير، وجم غفير من الفرس وأمّر على الجميع مهران(4) وسار كسرى إلى حلوان فأقام الجمع الذي جمعه بينه وبين المسلمين في جلولاء، واحتفروا خندقًا عظيمًا حولها، وأقاموا بها في العدد والعدد وآلات الحصار، فكتب سعد(5) إلى عمر(6) يخبره بذلك، فكتب إليه عمر أن يقيم هو بالمدائن ويبعث ابن أخيه هاشم بن عتبة(7) أميرًا على الجيش الذي يبعثه إلى كسرى، ويكون على المقدمة القعقاع بن عمرو(8)، وعلى الميمنة سعد بن مالك(9) وعلى الميسرة أخوه عمر بن مالك(10)، وعلى الساقة(11) عمرو بن مرة الجهني(12)، ففعل سعد ذلك وبعث مع ابن أخيه جيشًا كثيفًا يقارب اثني عشر ألفًا، من سادات المسلمين ووجوه المهاجرين والأنصار، ورؤوس العرب، وذلك في صفر من هذه السنة(13) بعد فراغهم من أمر المدائن، فساروا حتى انتهوا إلى المجوس وهم بجلولاء قد خندقوا عليهم، فحاصرهم هاشم بن عتبة، وكانوا يخرجون من بلدهم للقتال في كل وقت فيقاتلون قتالاً لم يسمع بمثله، وجعل كسرى يبعث إليهم الأمداد، وكذلك سعد يبعث المدد إلى ابن أخيه، مرة بعد أخرى، وحمي القتال، واشتد النزال، واضطرمت نار الحرب، وقام في الناس هاشم فخطبهم غير مرة، فحرّضهم على القتال والتوكل على الله، وقد تعاقدت الفرس وتعاهدت، وحلفوا بالنار أن لا يفروا أبدًا حتى يفنوا(14) العرب.
فلما كان الموقف الأخير وهو يوم الفيصل والفرقان، تواقفوا من أول النهار، فاقتتلوا قتالاً شديدًا لم يعهد مثله حتى فني النشاب(15) من الطرفين، وتقصفت الرماح(16) من هؤلاء ومن هؤلاء، وصاروا إلى السيوف والطبرزنيات(17)، وحانت صلاة الظهر فصلى المسلمون إيماءًا، وذهبت فرقة المجوس وجاءت مكانها أخرى، فقام القعقاع بن عمرو في المسلمين فقال: أهالكم(18) ما رأيتم أيها المسلمون؟ قالوا: نعم إنا كالّون(19) وهم مريحون، فقال: بل إنا حاملون عليهم ومجدون في طلبهم، حتى يحكم الله بيننا، فاحملوا عليهم حملة رجل واحد حتى نخالطهم، فحمل وحمل الناس، فأما القعقاع فإنه صمم الحملة في جماعة من الفرسان والأبطال والشجعان، حتى انتهى إلى باب الخندق، وأقبل الليل بظلامه وجالت بقية الأبطال بمن معهم في الناس وجعلوا يأخذون في التحاجز(20) من أجل إقبال الليل.
الهوامش والتعليقات:
أما “الطبرزين” فلم تذكره المعاجم، صرّح به د. عبد الرحيم ثم نقل ما قاله الخفاجي في “شفاء الغليل فيما في كلام العرب من الدخيل” (ص:176): “سمّي به لأنهم كانوا يعلّقونه في السروج ويقال له عند العجم تبر.
وقال أدّي شير [في الألفاظ الفارسية المعرَّبة] ص: 111، آلة من السلاح تشبه الطبر أو هو الطبر بعينه، وهذا أصح لأن أصل معناه الطبر المعلّق في السرج، فإن الفرس كان من عادتهم أن يعلقوا الطبر في السروج” 1هـ.
ونقل د. عبد الرحيم في تحقيقه “للمعرَّب” (ص:449) ما قاله دكتور محمد معين أستاذ جامعة تهران في تحقيقه لـ”برهان قاطع” (تاليف محمد بن حسين بن خلف تبريزي):
“إن “زين” في هذه الكلمة ليس بمعنى السرج وهو المعنى المعروف له، إنما هو بمعنى السلاح وهذا معنى “زين” Zen بالفهلوية، فمعنى اللفظ “فأس السلاح” تمييزًا له من تبر وهو فأس لقطع الأشجار، وما إلى ذلك.
قلت: أما أدِّي شير الكلداني (1867-1915م) فهو باحث عراقي، من رجال الكهنوت، كان رئيس أساقفة الكلدان الكاثوليك في “سعرد”، له كتب منها: “الألفاظ الفارسية المعربة” (ط).
وكان يحسن مع العربية عدة لغات، يراجع “الأعلام” (1: 274).