بيت لحسان بن ثابت الأنصاري خلفيته ودراسته التاريخية (1)

نبراس أمتنا
14 نوفمبر, 2022
بيت لحسان بن ثابت الأنصاري خلفيته ودراسته التاريخية (2/الأخيرة)
26 ديسمبر, 2022

بيت لحسان بن ثابت الأنصاري خلفيته ودراسته التاريخية (1)

الدكتور أبو سحبان روح القدس الندوي

وهانَ على سراة بني لؤيّ

حريقٌ بالبُويرة مُستطيرُ

قاله شاعر الرسول صلى الله عليه وسلم حسّان بن ثابت الخزرجي الأنصاري المتوفى سنة 54هـ، أحد المخضرمين الذين أدركوا الجاهلية والإسلام، وكان من سكان المدينة، واشتهرت مدائحه في الغسّانيين وملوك الحيرة، وفي ديوان شعره المطبوع ما بقي محفوظًا منه(1).

والبيت موجودٌ في ديوانه وأورده أصحاب التراجم في مؤلفاتهم، والبخاريّ رحمه الله في كتاب المغازي من صحيحه: باب حديث بني النضير (4032) وغيره من المواضع، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما “أن النبي صلى الله عليه وسلم حرّق بني النضير، قال: ولها يقول حسان بن ثابت….” وذكر بيته وما أجابه أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب.

اعتنى الحافظ ابن حجر(2) بذكر حديث بني النضير وخلفيته التاريخية قائلاً: “كان الكفار بعد الهجرة مع النبي صلى الله عليه وسلم على ثلاثة أقسام:

قسم وادعهم على أن لا يحاربوه ولا يمالئوا عليه عدوه، وهم طوائف اليهود الثلاثة: قريظة، والنضير، وقينقاع.

وقسم حاربوه ونصبوا له العداوة لقريش.

وقسم تاركوه وانتظروا ما يئول إليه أمره كطوائف من العرب.

فمنهم من كان يحب ظهوره في الباطن كخزاعة، وبالعكس كبني بكر.

ومنهم من كان معه ظاهرًا ومع عدوه باطنًا وهم المنافقون.

فكان أول من نقض العهد من اليهود بنو قينقاع فحاربهم في شوال بعد وقعة بدر فنزلوا على حكمه، فأراد قتلهم فاستوهبهم منه عبد الله بن أبي وكانوا حلفاءه فوهبهم له وأخرجهم من المدينة إلى أذرعات.

ثم نقض العهد بنو النضير، وكان رئيسهم حيي بن أخطب، ثم نقضت قريظة”(2). أما قوله (وهان على سراة بني لؤي) فكذا للأكثر، وفي رواية الكشميهني “لهان” باللام بدل الواو، وسقطت اللام والواو من رواية الإسماعيلي.

وقوله: “سراة” بفتح المهملة وتخفيف الراء جمع سري وهو الرئيس”(3).

أما “بنو لؤي” فهم المنسوبون إلى: لؤيّ بن غالب بن فهر، من قريش، من عدنان: جدٌّ جاهلي، من سلسلة النسب النبوي، كنيته أبو كعب، كان التقدم في قريش لبنيه وبني بيته وهم بطون كثيرة، وتاريخهم حافل ضخم”(4).

وقوله “حريق بالبويرة مستطير”: أي مشتعل.

“وإنما قال حسّان بذلك تعييرًا لقريش لأنهم كانوا أغروهم بنقض العهد وأمروهم به ووعدوهم أن ينصروهم إن قصدهم النبي صلى الله عليه وسلم”(5).

وأما “البويرة” المذكور في البيت فضبطوه بضم الموحدة مصغرًا، واختلفوا في كونه تصغير “بؤرة أو بئر”؟

فقال ابن حجر(6): “البويرة تصغير بؤرة”، ووافقه ا لمرتضى الزبيدي(7) وخالفهما ياقوت الحموي(8) وقال هو: “تصغير البئر”.

واختلفوا في معناه فقال ابن حجر: “هي الحفرة”.

وفسّره ياقوت قائلاً: “…..البئر التي يستقى منها الماء”.

ثم اختلفوا في تحديد موقعه الجغرافي:

فجنح ابنُ حجر إلى أنه “مكان معروف بين المدينة وبين تيماء وهي من جهة قبلة مسجد قباء إلى جهة الغرب” وقال: “ويقال لها “البُويلة” باللام بدل الراء.

أما الزبيدي فلم يزد إلا أن قال: “موضع كان به نخل لبني النضير، وهو من منازل اليهود”.

وأفاد ياقوت زيادة: “هو موضع منازل بني النضير اليهود الذين غزاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد غزوة أحد بستة أشهر فأحرق نخلهم وقطّع زرعهم وشجرهم.

وأضاف قائلاً: “وفيه نزل قوله تعالى: “مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ” [الحشر:5].

ولم يصوِّب نور الدين السمهوديّ مؤرخ المدينة ما جنح إليه ابن حجر معتمدًا على رزين وغيره ومن تبعه رزين في “أن البويرة الموضع المعروف بهذا الاسم في قبلة مسجد قباء من جهة الغرب”. واستدرك السمهودي على ابن حجر قائلاً(9): “والذي يتحرر أن البويرة المتعلقة ببني النضير التي وقع بها التحريق وهي المذكورة في شعر حسان ليست البويرة التي بقباء، بل بمنازل بني النضير المتقدمة في محلها”. وقال: “بعض منازلهم كانت بناحية الغرس، فيطابق أنها بقرب تربة صعيب وبلحارث”.

أما المجد الفيروزآبادي فإنه انتزع ما قاله ياقوت ولم يزد عليه شيئًا.

أما حمد الجاسر علامة الجزيرة فإنه لم يخالف السمهوديّ فيما استدركه علي ابن حجر في تعليقه على “المغانم المطابة”، وإنما أعاد ما قاله السمهودي(10).

وأورد البخاري رحمه الله في الموضع الآنف من صحيحه (4032):

“…..قال: فأجابه أبو سفيان بن الحارث:

أدام الله ذلك من صنيع

وحرّق في نواحيها السّعير

ستعلم أيّنا منها بنزه

وتعلم أيّ أرضينا تضير

قوله: (فأجابه أبو سفيان بن الحارث): أي ابن عبد المطلب، وهو ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وكان حينئذ لم يسلم وقد أسلم بعد الفتح وثبت مع النبي صلى الله عليه وسلم بحنين.

وذكر إبراهيم بن المنذر أن اسمه المغيرة، وجزم ابن قتيبة أن المغيرة أخوه، وبه جزم ابن عبد البر والسهيلي”. أفاد به ابن حجر(11).

وقوله: (بنزهٍ): بنون ثم زاي ساكنة أي ببُعد وزنًا ومعنى، ويقال بفتح النون أيضًا.

وقوله: “أي أرضينا” بالتثنية.

وقوله: “تضير”:بفتح المثناة وكسر الضاد المعجمة من الضير وهو بمعنى الضر، ويُطلق الضير ويُراد به المضرة.

الهوامش:

  1. الزركلي: الأعلام: 2: 188، ط: الثانية
  2. فتح الباري 7: 330
  3. المصدر نفسه 7: 333
  4. الزركلي: الأعلام: 6: 112
  5. فتح الباري 7: 333
  6. المصدر نفسه
  7. تاج العروس 6: 118
  8. معجم البلدان 2: 513
  9. وفاء الوفاء بأخبار دار المصطفى 4: 1157
  10. في “المغانم المطابة في معالم طابة” ص: 66
  11. فتح الباري 7: 333

×