هل نتحاور مع أولادنا؟

لطائف الذوق
27 يناير, 2020
من يستعين بالرفق في أمره يستخرج الحية من وكرها
27 يناير, 2020

هل نتحاور مع أولادنا؟

هل نتواصلُ مع أولادنا ونتحاورُمعهم بشكلٍ مناسبٍ وأسلوبٍ هادئ؟

وما هي نبرة صوتنا عند الحوار والمناقشة معهم؟ هل هي نبرة التفاهم والتفاعل والانسجام، أم نبرة الزجر والتوبيخ والعصبيّة؟

هل نشاركُ أولادنا في اتخاذ القرارات الأسرية؟ ونجتمعُ بهم في اجتماعاتٍ توجيهيّة وجلساتٍ مفتوحةٍ، ونعترفُ بحقّهم في إبداء الرأي ووجهة النظر بأريحيّةٍ وأدبٍ، أمْ لازال الأمر كما كانَ قبلَ عقودٍ؟ حيثُ كانت معظم الحوارات الأسرية من طرفٍ واحدٍ، فكان الأب أو الأخ الأكبر يتحدّث والبقيّة يهزّون رؤوسهم ويُطيعون دون أيّ مناقشة أو رأي أو توجيه سؤال.

هل نستطيعُ أن نقولَ إنّ روابطنا الأسرية وعلاقاتنا العائلية لم تتأثر بالتّقدم التقني السريع الذي فرض نفسه على الجيل الجديد حتّى كاد أن يشكّل حاجزا بيننا وبينهم وأن يجعل علاقتنا بهم سطحية وجافة.

إنّ المتأملَ في الدراسات الحديثة التي تناولتْ تعلّق الجيل الجديد بالأجهزةِ الإلكترونية والتّقنية الرقميّة يجدُ العَجب العُجاب، ففي الولايات المتّحدة يقضي الطفل قرابة خمسِ ساعاتٍ يوميّا أمامَ التلفاز على حين أنه لايُتاح له الاجتماع مع والده سوى خمس دقائق في اليوم.

كما أشارت دراسة نشرتها منظمة الأمم المتحدة للطفولة إلى أن الشباب الذين تترواح أعمارهم بين 15 إلى 24 سنة هم الفئة العمرية الأكثر وصولا للإنترنت على مستوى العالم، بمعنى أنهم يجدون بديلا أو مهربا عن الحوار مع الأهل.

وتكشف الدراسة التي تحمل عنوان “الأطفال في عالم رقمي” عن الجانب المظلم للثروة المعلوماتية والتقنية الحديثة وأثرها السلبي على الأطفال، وأنّها يمكن أن تجعل الأطفال أكثرعرضة للأذى الصحي والجسدي إن لم تقيّد بضوابط وأصول!!

وهذا يعني أننا نعيش في عصر كثرتْ فيه التّحديات وازدادت المخاطر، وتنوّعت العراقيل والمتعثرات أمام التربية السليمة ورسم الشخصية المتوازنة للطفل؛ وبالتالي تتعاظم مسؤولية الوالدين بحماية أولادهم عن الملهيات والإغراءات التي تسبّب الحيرة والتّردد والبلبلة وضعف الشخصية، وذلك باحتوائهم وحبّهم ومحاورتهم ومناصحتهم، وتوجيههم وتوعيتهم، وغرس المعاني الجميلة والأخلاق النبيلة فيهم.

إنّنا في مجتمعاتنا لانحاولُ التدرّب على ثقافة الحوار وفهم أساليبه وتوظيفه بالشكل الصحيح، كما إننا لانحاول فهمَ سلوك الأطفال ومشاعرهم والتّعرف إلى مشاكلهم والإجابة على أسئلتهم وإعطائهم الوقت الكافي والتحاورمعهم في أمور تخصّهم، كما إننا لانهتم كثيرا بتعزيز التواصل مع الأولاد والجلوس بجانبهم في جلسات عائلية والاستماع إليهم ومشاركتهم همومهم وآمالهم وطموحاتهم وتطلّعاتهم.

إنّ الطفل في عصرنا هذا يا أحبتي الكرام لايحتاج إلى التربيت على الكتف أوالمدح والثناء فقط، كقولنا: مبدع، مبادر، متميز، عبقري، فهذه الكلمات وإن كانت لها آثارها النفسية الطيّبة على الطفل، إلا أنّ أطفالَ اليوم يحتاجون الثقة المتبادلة وذلك بأن نتحاور معهم دائما ولانتجاهلهم، ونقرّبهم ولانهملهم، وأن نجعل الحُبّ والحِوار أساس التربية، فنغرس فيهم القيم والسلوكيات الإيمانية ومبادئ العقيدة الصحيحة عن طريقها، ونفتح لهم القلوب والعقول، ونعوّدهم على التعبيرعن النّفس وعن مشاعرهم وأفكارهم، وإبداء رأيهم بصراحةٍ وجرأةٍ وضمن حدود اللياقة والاحترام ودون خوفٍ أووَجَلٍ.

والحوار مع الأولاد من أهم الوسائل التربوية، وأنفع السبل وأقربها لتقوية العلاقة بهم وإبرازمواهبهم الكامنة، وكلّما ازداد الحوار داخل الأسرة كلما أصبحت مترابطة متماسكة متعاونة، وكلّما قل الحوار والاحترام والقبول، زادت المشاكل والخلافات واتسعت الفجوة بين أفرادها.

“وتزداد أهمية التربية بالحوار مع الشباب في العصر الحاضر حيث كثُرتْ مخاطر الغزو الفكري والثقافي، وتنوّعت سلبيات التقنية والاتصالات؛ حتى أصبحت وسائل الإفساد قوية وجذابة ومؤثّرة، وانتشرت الدعوات الباطلة والأفكار الضالة والانحرافات الفكرية والسلوكية ”

ومن فوائد الحوار مع الأبناء زرع الثقة في نفوسهم، وتنمية علاقة الألفة والمحبة بينهم وبين والديهم، وتعزيز الاستقلالية لديهم، وتعليمهم أسلوب الحوار والإقناع والإنصات، وترتيب الأفكار، وكسب مهارات التواصل والتعامل مع الآخرين، وكسر حاجز الرهاب والخوف والخجل والتلعثم والخمول والإحباط، واكتشاف قدراتهم على التعامل مع المشاكل، وتعزيز الشعور بالمسؤولية والانتماء إلى أسرة مشتركة، وتعويدهم على تنظيم الاجتماعات وتوصيل الرسالة إلى الآخرين بإيجابية واحترام.

شمعة أخيرة:

من الخطوات المهمة في الحوارات العائلية مراعاة مايلي:

1-تحديد الغاية من الحوار، هل هو لتوصيل معلومة، أم تصحيح خطأ، أم استشارة في أمر من الأمور، أم غير ذلك.

2-مراعاة آداب الحوار مع الأبناء ومن أهمها حسن الاستماع وعدم مقاطعة المتحدث والإنصات له باحترام، حتى يتعوّدوا على احترام الآخرين خلال الحوار.

3-أن يكون الحوار واضحا، وملائما لكلّ فئة عمرية، وأن يراعي فيه الفروق الفردية.

4-اختيار الوقت والمكان المناسب للحوار فلايكون الحوار في فترة انشغال الأبناء، كفترة الاختبارات والمراجعة، أووقت اللعب مثلا.

5-أن يحافظ فيه على الخصوصية؛ فبعض الأمور لاتناقش في حوارت عامة.

6-أن يكون الأب مستعدا للتنازل وتغيير رأيه إذا عرف خطأ رأيه.

7-أن لاننس جانب التشويق والإثارة والإطراء والتفاعل خلال الحوار.

8-أن يلخص النقاط التي تمت مناقشتها في نهاية الجلسة ويفضّل أن يكون التلخيص من قبل المشاركين في الحوار بحيث يذكر كلّ واحد نقطة نقطة.

9-أن يشكر الجميع على حسن الاستماع ويشجّعهم على المشاركة في الحوارات الأسرية القادمة.

بتصرف من الدليل الذكي في تربية الأبناء، ص: 159-165

د. سعد الله المحمدي

×