الأخلاق هي الحلقة المفقودة في المجتمع

السعادة الحقيقية
28 يوليو, 2025
اسمعي يا مصر (1)
21 أغسطس, 2025
السعادة الحقيقية
28 يوليو, 2025
اسمعي يا مصر (1)
21 أغسطس, 2025

الأخلاق هي الحلقة المفقودة في المجتمع

خليل أحمد الحسني الندوي

امتاز المسلمون منذ بزوغ فجر الإسلام، بصحبة النبي صلى الله عليه وسلم وتعاليمه الهادية، بخصال عظيمة وفضائل كريمة، كانت سببًا في إشراق وجه الأرض بنورهم، وعلو مكانتهم بين الأمم، ومن أبرز هذه الخصال: الإيثار والتضحية، وصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكفّ عن الظلم وسفك الدماء، واجتناب أكل مال اليتيم، وغض الطرف عن الفواحش وقول الزور.

وقد أشار جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه إلى هذه المعاني العظيمة في خطابه الخالد أمام النجاشي ملك الحبشة، إذ قال واصفًا حال العرب قبل الإسلام:

“كنا قومًا أهل جاهلية، نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، ويأكل القويّ منا الضعيف، فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولًا منا، نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه، فدعانا إلى الله لنعبده ونوحده ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء…”.

فكانت هذه المبادئ العظيمة هي المعيار الذي أقام عليه الصحابة كيانهم الأخلاقي، وبها صاروا قادةً للأمم، وهداةً للشعوب، وأسوةً للناس في كل حين.

غير أنّ عجلة الزمان دارت، وضعف الوازع، وخبا نور القدوة، فتسللت إلى جسد الأمة أمراض الأنانية، وحب الذات، والجشع، والتكالب على حطام الدنيا، حتى نسي كثير من المسلمين تلك الخصال الجليلة، وتجاهلوها، أو غلفوها بستارٍ من الجفاء واللامبالاة. فآثروا الدنيا على الدين، والمصلحة على المبادئ، والغنيمة على الأمانة، فأضاعوا ما كان في أيديهم من جمال، وبدّدوا ما ورثوه من السلف من كمال.

ولعل من أبرز الأمثلة الواقعية التي تدمي القلب وتكدر النفس، ما وقع في بلاد الغرب، وتحديدًا في إنجلترا، حيث نُقلت إلينا حادثة تعكس هذا التناقض العجيب بين ما ينبغي أن يكون عليه المسلم، وما آل إليه حال بعض المنتسبين إلى هذا الدين العظيم.

جاء رجل هندي مسلم إلى إنجلترا طلبًا للرزق، وسعيًا لتحسين حال أسرته، فكان يعمل بكدٍّ واجتهاد، ويعطي كل ما يكسبه لكفيله المسلم، طالبًا منه حفظ المال إلى حين عودته. وكان لا يحتفظ لنفسه إلا بما يسدّ رمقه، ويقيم أوده. واستمرت حاله كذلك أربع سنين. فلما اقترب موعد زواج ابنته، وأراد الرجوع إلى بلاده ليقيم لها العرس ويؤدي ما عليه من واجب الأبوة، ذهب إلى كفيله يطالبه بما جمعه عنده من المال. لكن الكفيل غدر به، ورفض أن يعطيه شيئًا مما أودعه أمانة في يده!

يا للهول! يا للعار! أيُّ خيانةٍ هذه؟ وأيّ مسلمٍ هذا الذي خان أمانةً أودعت عنده، وتنكّر لحق أخيه، ولم ترق له دموعه، ولا حركه بكاؤه وتضرّعه؟!

سعى الرجل المسكين إلى كل من يعرفه من أصدقاء وأقارب، فلم يجد فيهم ناصرًا ولا معينًا، بل صرفوه عن الكفيل، وقالوا له: “إنه لا يعطيك”. فقال له بعضهم: “إنه يذهب إلى الكنيسة كل أحد، ويقف خاضعًا أمام الأسقف. فاذهب إلى الأسقف، واشكُ له حالك”.

ذهب الرجل، وقد ضاق به الحال، وبلغ به الهمّ مبلغًا عظيمًا، فقصّ على الأسقف ما جرى له. فلما جاء الكفيل في نفس اليوم إلى الكنيسة، قال له الأسقف: “هل أسلمت؟”، فقال: “كلا، لم أسلم”. فقال له: “فلمَ تصنع ما لا يصنعه المسلمون من الخيانة؟! إن كنت لست بمسلم، فأثبت ذلك بأفعالك، وأعطه حقه!”. فخجل الكفيل، واضطر إلى ردّ المال إلى صاحبه.

فيا لها من حادثة مؤلمة! ويا لها من عبرة قاسية! بلغ الانحطاط ببعض من ينتسبون إلى الإسلام أن صاروا في أخلاقهم أضدادًا لما جاء به دينهم، حتى غدت الخيانة من شيمهم، والأمانة غريبةً بينهم، والكافر صار يذكّر المسلم بمبادئ دينه التي أهملها!

إننا في زمن نحتاج فيه إلى وقفة صدق مع أنفسنا، نراجع فيها أفعالنا قبل أقوالنا، ونزن فيها تصرفاتنا بميزان الشرع، لا بعاطفة الانتماء، فإنّ تشويه صورة الإسلام لا يأتي من أعدائه بقدر ما يأتي من أبنائه، حين يتنكرون لمبادئه، ويهملون تعاليمه، ويسيئون إلى الناس وهم يرفعون رايته!

ما أحوجنا اليوم إلى استحضار قول الله تعالى:

﴿وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾

﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾

وما أحوجنا إلى الاقتداء بجيل الصحابة الذين قدّموا أنفسهم وأموالهم في سبيل الله، لا يطلبون جزاءً ولا شكورًا، بل كان شعارهم:

﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ﴾

فلنراجع أنفسنا، ولنعد إلى مكارم الأخلاق، فهي السبيل إلى استعادة عزة الأمة وكرامتها، وهي سرّ قوة المسلمين في الماضي، وبها نرجو استعادة مجدهم في المستقبل.

والله المستعان، وعليه التكلان، ولا حول ولا قوة إلا بالله.