الشيخ علي الطنطاوي (1)
4 نوفمبر, 2024الشيخ علي الطنطاوي (2)
21 نوفمبر, 2024الإسلام هو البديل
محمد واضح رشيد الحسني الندوي
عاش الإسلام كالشبح المخوف للدول الغربية، وقد ضخَّم هذا الذعر أقلامُ الكتاب الغربيين الذين صوَّروا الإسلام تصويرًا بشعًا، ونسبوا إليه كل ما ينسب إلى الهمجيين والوحشيين من جهل، واستبداد، وضيق فكر، وتزمُّت، وتشنُّج عقلي، وقد أثبتت التجارب أن الأوربيين قوم سذج يثقون بكل ما ينقل إليهم من أراء وأفكار شاردة ويقدسون علماءهم لتأثير النصرانية، واستغل علماؤهم هذه السذاجة لقومهم، فكانت أوروبا نتيجة لهذه الدعاية ضد الإسلام والمسلمين في نفسية الذعر، يساورها الخوف أن ينبعث ذلك المارد الذي طاردها قروناً طويلة، ودك العرش الرومي التاريخي، فكانت الدعوة إلى الإسلام من جديد بالنسبة لأوروبا والمؤمنين بعظمتها الأسطورية دعوة تنذر بعاقبة وخيمة لها كأنها دعوة إلى الرجوع إلى عهد غزو أوروبا،عهد محمد الفاتح وصلاح الدين فكان جل اهتمام مفكريها وقادتها وكتابها أن لا تذكر هذه الكلمة المقلقة، ولا ينبعث ذلك العملاق الذي غير مجرى التاريخ، كلما هب وانتعش.
وقد أراد الله غير ذلك، فلم توفق جهود المستعمرين في قطع الصلة عن الماضي، وقطع الصلة عن اللغة العربية، وقطع الصلة عن العلوم الإسلامية، ومعاقلها التي أنجبت أفذاذًا من الدعاة والمجاهدين في سبيل الله الذين حملوا راية الحق طيلة هذه المدة، وحاربوا الاستعمار بعدته وعتاده، وبعلومه وفلسفاته بثقة لا تتزحزح في سداد الإسلام وصلاحيته للبقاء، والتغلب على سائر النظم وبإيمانهم أن السحب مهما تراكمت ستنقشع، وأن النظم التي تقوم اليوم والدعوات التي تحارب الإسلام اليوم ليست إلا كسحب الصيف ستنقشع، وقد انقشعت في الماضي السحب التي كانت أكثر كثافة من هذه السحب، ودامت أكثر مما دامت هذه النظم، فتغلب الإسلام، فلا يوجد لهذه الدعوات والنظم والفلسفات مكان إلا في بطون الكتب المطمورة، أو في المتاحف التاريخية، وخرجت حقيقة الإسلام ناصعة بينة من السحب المتراكمة، كان إيمان هؤلاء الدعاة المخلصين مصدر صمودهم في وسط الزحف الأحمر، والزحف الحضاري لأوروبا، الذي حاول أن يغزو العالم باسم العلم، والتبشير، وحقوق الإنسان، والحضارة، فانكشف للعالم أن هذه الدعوات ليست إلا ستارًا للاستعمار، وغزو العالم.
كان العالم بتأثير الغرب قد قبل بعض النظريات كحقائق، وآمن أن ما يأتي من الغرب، هو صوت الحق والعدالة، والتقدم، وأنه في مصلحة الإنسانية، ولكن الحقائق بدأت الآن تنكشف، وبدأ العالم يشعر أن الشمس لا تشرق من الغرب.
لقد رفعت حجب كثيرة عن الإسلام، ورفعت شبهات كثيرة كان قد بثّها المشككون، فقد أقيمت مراكز إسلامية لعرض الإسلام في كثير من أجزاء أوروبا، وأنشئت هيئات إعلامية ومؤسسات اقتصادية، ومراكز العلم والتربية الإسلامية، وتغطي هذه المؤسسات معظم مجالات النشاط، وهي إذا سارت بحسن نية، ووحدة، وانسجام يتكاتف بعضها مع بعض، بدون عصبية وتحيُّز، بالانتماء الكامل إلى الإسلام، والأمة الإسلامية، وخاصة إذا كانت تعاليم الإسلام سارية في الحياة الفردية، والاجتماعية وسويت المشاكل بها طوعيًا فإنها ستثبت في وقت قصير أن الإسلام هو البديل، وأن الإسلام صالح للبقاء، وأنه هو الدين الخالد. (الرائد السنة:23، العدد:15، أول فبرائر 1984م)