يسر الدين وسماحة الشريعة الإسلامية
23 سبتمبر, 2024أهمية الانسجام بين القول والعمل
عبد الرشيد الندوي
عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “رأيت ليلة أسري بي رجالًا تقرض شفاههم بمقاريض من نار، فقلت: يا جبريل، من هؤلاء؟ قال: هؤلاء خطباء من أمتك، يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم وهم يتلون الكتاب، أفلا يعقلون”.
تخريج الحديث: أخرجه أحمد (12856) واللفظ له، وابن أبي شيبة (37731)، وأبو يعلى (3996) والبزار (7231).
شرح الحديث: إن هذا الحديث الشريف يتحدث عن مشهد رآه النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة الإسراء والمعراج، وهي رحلة عظيمة أسرى الله فيها بنبيه من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، ثم عُرج به إلى السماوات العلا. وفي هذه الرحلة رأى النبي صلى الله عليه وسلم من مشاهد العذاب ما يعتبر درسًا عظيمًا لأمته، يا له من مشهد هائل مروع! رجال تقرض شفاههم بمقاريض من نار، فسأل جبريل عليه السلام عن هؤلاء الرجال وما السبب الذي أدى بهم إلى هذا العذاب الشديد؟ فجاء الجواب من جبريل عليه السلام بأن هؤلاء هم الخطباء من أمة محمد صلى الله عليه وسلم الذين كانوا يأمرون الناس بالخير والبر، ولكنهم ينسون أنفسهم، فلا يعملون بما يأمرون به، مع أنهم يقرؤون القرآن الذي يشتمل على التوجيهات والأوامر التي تدعو إلى تطبيق ما فيه.
يحمل هذا الحديث رسالة مؤثرة وعميقة لأولئك الذين يتصدون للوعظ والإرشاد، سواء كانوا خطباء أو دعاة أو معلمين أو غيرهم. فالعذاب الذي رآه النبي صلى الله عليه وسلم في حق هؤلاء الخطباء كان بسبب تناقض أقوالهم مع أفعالهم، إذ يأمرون الناس بالبر والخير ولكنهم لا يلتزمون به في حياتهم. ولعل هذا هو جوهر التحذير في الحديث: ألا يكون الشخص قدوة سيئة للآخرين.
ومن الدروس المستفادة من هذا الحديث أهمية العمل بما نعلم، فالدعوة إلى الخير والنصح به من أعظم الأعمال، ولكنها تكون ناقصة إن لم يصاحبها العمل بما ندعو إليه. فالعلم بلا عمل يشبه الشجرة التي لا ثمر لها. وهذا الحديث تذكير للدعاة والعلماء بمسؤوليتهم، فكل من يتصدى لإرشاد الناس عليه أن يكون على وعيٍ كامل بأهمية أن يبدأ بنفسه أولاً، وأن يظهر القدوة الحسنة في أقواله وأفعاله. ويجب أن نتأمل في أنفسنا ونراجع تصرفاتنا: هل نقوم بما ندعو الناس إليه؟ وهل نلتزم بما نتلوه من الكتاب؟ هذا الحديث دعوة صريحة لكل مسلم بأن يكون متسقًا بين ما يظهره للناس وما يعمله في خلوته. فالإسلام دين السلوك والعمل قبل أن يكون مجرد نصوص وأقوال.