رحيق القلم من وحي شهر ربيع الأول
23 سبتمبر, 2024حضارة إبراهيمية محمدية
4 نوفمبر, 2024أمراض المجتمع وعلاجها (3)
الشيخ بلال عبد الحي الحسني الندوي
- الحقد والضغينة
إذا وقعت بذرة للعداوة في القلب ولم تقلع، فإنها تتطور إلى حقد وضغينة، وتتجذر في النفس، ومن طبيعة الإنسان أنه إذا تعرض للأذى من شخص، فإن شرخًا ينشأ في قلبه، وإذا لم يُعالج هذا الشرخ، فتصبح العداوة هوة يصعب سدُّها. فلذلك أُمرنا بأنه إذا حدثت خصومة أو شقاق في القلب، نسرع إلى معالجتها حتى لا تتفاقم الأمور، إلى حدٍّ يجعل تآلف القلوب صعبًا للغاية.
فمن أشد الأمور كراهة في الإسلام هو التفريق بين القلوب، وما يتبعه من سلسلة عداوات لا تنقطع، وقد تتفاقم لدرجة أن يصبح الشخص متعطشًا لسفك دم الآخر، وتصبح النزاعات والمرافعات أمورًا عادية في المجتمع، وقد عمَّ هذا المرض بين المسلمين اليوم،وحينًا قد يُصاب به المتدينون الصالحون، مما يؤدي إلى انتشار الاضطراب والفوضى في المجتمع بأسره.
لقد أقام النبي صلى الله عليه وسلم مجتمعًا إسلاميًا صالحًا ومثاليًا، ونهى عن كل ما يُفسد المجتمع الإنساني من سيئات، وفي باب الحسد، سبق الحديث الذي نهى فيه عن تلك الأمور، وجاء فيه: “ولا تباغضوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانًا”. (صحيح البخاري، كتاب الأدب، باب يا أيها الذين آمنوا، ٦٠٦٦)
وفي سورة الحشر مدح الله وأثنى على المهاجرين والأنصار، وذكر بعد ذلك الذين يتبعون سبيلهم، وذكر من فضائلهم أنهم يدعون ربهم، يقول عزوجل: وَالَّذِينَ جَاءُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ (الحشر: ١٠).
الحقد والضغينة هما من الأعمال السيئة والأخلاق الذميمة إلى درجة أن الحاقدين وأصجاب الشحناء والبغضاء يُحرمون من المغفرة حتى المغفرة العامة. فقد ورد عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: تُفْتَحُ أَبْوَابُ الجَنَّةِ يَوْمَ الإثْنَيْنِ وَيَوْمَ الخَمِيسِ، فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا، إِلَّا رَجُلًا كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ، فَيُقَالُ: أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا. (صحيح مسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب النهي عن الشحناء والتهاجر، ٦٥٤٤).
وأشار العلامة السيد سليمان الندوي في شرح هذا الحديث إلى حديث آخر رواه الطبراني، ويفيد أن الأعمال تُعرض يومي الخميس والإثنين، ومن يطلب المغفرة تُغفر له، ومن يتوب تُقبل توبته، لكن أعمال الذين يحملون الحقد تُرد بسبب حقدهم حتى يتوبوا ويتخلصوا من هذه الصفة. (سيرة النبي(بالأردية)، ج٦، ص٤٦٠، والطبراني في الأوسط، والمنذرى ٢ ص١٦٤،مصر)
وعندما كان يبلغ إلى النبي صلى الله عليه وسلم أحدٌ من أصحابه عن أحدٍ شيئًا ينهاه عن ذلك قائلاً: لَا يُبَلِّغَنِّي أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِي عَنْ أَحَدٍ شَيْئًا، فَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَخْرُجَ إِلَيْكُمْ وَأَنَا سَلِيمُ الصَّدْرِ.” (سنن أبي داؤد، كتاب الأدب، باب رفع الحديث من المجلس، ٤٨٦٠)
وفال النبي صلى الله عليه وسلم مرة لأنس رضي الله عنه الذي خدمه عشر سنوات: “يا بُنَيّ، إن قدرتَ على أن تصبحَ وتمسيَ وليس في قلبكَ غِشٌّ لأحدٍ، فافعلْ، فإنَّ ذلكَ من سُنَّتي، ومن أحبَّ سُنَّتي فقد أحبَّني، ومن أحبَّني كانَ معي في الجنة.” (سنن الترمذي، كتاب العلم، باب ما جاء في الأخذ بالسنة، ٢٨٩٤)
فلم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يحب أن يتسرب إلى القلب شيء من الكدر والغش فضلاً عن البغضاء والشحناء والحقد والضغينة، فقد قال: “ثَلَاثَ مَنْ لَّمْ يَكُنْ فِيهِ، غُفِرَ لَهُ مَا سِوَاهُ لِمَنْ شَاءَ: مَنْ مَّاتَ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا، وَلَمْ يَكُنْ سَاحراً يَتَّبِعُ السَّحَرَةَ، وَلَمْ يَحْقِدُ عَلَى أَخِيهِ” (كتاب الأدب المفرد، باب الشحناء، ٤١٣) (تعريب: سعد مبين الحق)