قراءة في كتاب “الغزل الأردي محاوره ومكانته في الشعر” للعلامة الشيخ محمد الرابع الندوي
4 فبراير, 2023قراءة لكتاب “أخي العزيز”
17 يناير, 2024“لمسات من السيرة النبوية”
أ. د. حسن الأمراني، رئيس رابطة الأدب الإسلامي العالمية
جعل الله للعالم الإسلامي جناحين، أحدهما في الشرق، هو الهند، والآخر في الغرب، هو المغرب. وقد نهض هذا الجناحان، منذ القديم، بخدمة جليلة تمثَّلت في خدمة السيرة النبوية الشريفة.
ففي الهند، يذكر المؤرخون أن هذه العناية بالسيرة النبوية بدأت منذ القرن الأول الهجري، مع الشيخ ابن عبد الرحمن السندي، الذي ألَّف كتابًا عن المغازي النبوية، ففتح بذلك الباب مشرعًا أمام اللاحقين.
إلا أنه كان ينبغي لنا أن ننتظر قرونًا قبل أن يظهر في الهند مصنِّفون في السيرة النبوية، ولاسيِّما في القرن العاشر الهجري، حيث برع عدد من المصنفين في ذلك، من أمثال الشيخ محمد بن بحرق الحضرمي، والشيخ زين بن علي المليباري، والشيخ عبد العزيز الدهلوي، وغيرهم.
أما في العصر الحديث، في الهند، فحسبنا أن نذكر كتاب “السيرة المحمدية” للعلامة سليمان الندوي، و”السيرة النبوية” لسماحة الشيخ أبي الحسن علي الحسني الندوي، وقد صدرت منه طبعات متعددة، وكتاب “سراجًا منيرًا” لفضيلة الشيخ محمد الرابع الحسني الندوي، وكتاب “في ظلال السيرة” له أيضًا. وكتاب “الرحيق المختوم” للشيخ المباركفوري،وأخيرًا صدر كتاب “محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين” للمحدث الأستاذ الدكتور تقي الدين الندوي، في ثلاثة مجلدات، دار القلم دمشق، 2022م.
أما في المغرب فقد نهض أعلام كبار لخدمة السيرة النبوية، ولاسيما في العهدين المرابطي والموحدي، ومنهم الإمام السهيلي المراكشي، وهو من علماء القرن السادس الهجري، حيث ولد بمالقة بالأندلس عام 508هـ وتوفي بمراكش عام 581هـ، وهو صاحب “الروض الأنف” الذي شرح فيه سيرة ابن هشام، واستدرك عليه، ولا يكاد مُهْتَّم بالسيرة النبوية أن يستغني عن “الروض الأنف”.
ومنهم القاضي عياض السبتي اليحصبي، صاحب “الشفا بتعريف حقوق المصطفى”، وقد عاش ما بين عامي 476 هـ ـ 544هـ. وكتابه “الشفا” من أجلِّ الكتب في بابه.
حتى إذا جئنا إلى العصر الحديث في المغرب وجدنا الشيخ عبد الحي الكتاني يصنف كتابًا فريدًا سماه “التراتيب الإدارية”. وهو في نظام الحكومة النبوية.
والكتاب الذي نحن بصدد تقديمه هو كتاب “لمسات من السيرة النبوية” لفضيلة الدكتور الأستاذ محمد وثيق الندوي، وهو إضافة جيدة وجديدة إلى المكتبة الهندية في ميدان السيرة النبوية.
وإذا كان لكل كتاب من كتب السيرة النبوية خصائص تميِّزه عن غيره من كتب السيرة، فإن من حق القارئ أن يتساءل عن خصائص هذا الكتاب الذي بين أيدينا.
وأوَّلُ ما يلفت النظر تواضع صاحبه، فهو لم يزعم أنه يقدِّم كتابًا شاملاً عن سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، بل حدد هدفه بوضوح إذ سمى كتابه: “لمسات من السيرة النبوية”، ولعل هذا يذكرنا بصنيع بعض من ألَّف في هذا الباب، ومنهم الدكتور مصطفى السباعي الذي ألَّف في السيرة النبوية كتابًا صغيرًا، إلا أنه نفيس، سماه: “السيرة النبوية: دروس وعبر”، وهو كتاب جعله السباعي في مقدمة، وتشتمل على مبحثين، وهما:
1 ـ في ميزة السيرة النبوية والفائدة من دراستها.
2 ـ في مصادر السيرة النبوية ومراجعها الصحيحة.
ثم عقد بابًا في فقه سيرته صلى الله عليه وسلم، ويشتمل على عشرة فصول.
ولم يكن من غرض السباعي أن يستعرض السيرة النبوية في جميع مراحلها، بل اهتم باستنباط الدروس والعبر التي ينبغي أن يستخلصها المسلم، ولا سيما الدعاة، ويعملوا على تطبيقها في حياتهم.
فما الذي يميِّز هذه اللمسات التي يقدِّمُها لنا الأستاذ محمد وثيق الندوي؟
نصَّ المؤلف، حفظه الله، على أن هذا الكتاب هو عبارة عن مقالات في السيرة النبوية، ولم يصنفه ليكون كتابًا شاملاً في السيرة النبوية. ومن شأن فنّ المقالة أن تحدّد لها هدفًا معيّنًا، وتقصد إلى غرض بعينه، وتسوق إلى القارئ الرسالة المرجوة في إيجاز وبيان.
وقد جاء هذا الكتاب في مئتي صفحة، يضم عددًا من المقالات متنوعة في مضامينها.
وإن نحن استعرضنا عددًا من مؤلفات كبار كتاب العرب في القرن العشرين، من أمثال طه حسين، وعباس محمود العقاد، ومصطفى صادق الرافعي، وجدنا عددًا من مؤلفاتهم تتكوَّن من مقالات نشرت في صحف سيارة على فترات متباعدة. وقد تكون موضوعاتها متآلفة أحيانًا ومتنافرة أحيانًا أخرى.
أما كتاب الأستاذ وثيق، فهو إن كان عبارة عن مقالات نشرت على فترات، إلا أنها تمتاز بوحدة الموضوع، فهي كلها تعالج السيرة النبوية في صورة من الصور.
ثم إن الناظر في هذه المقالات يرى أنها مرتبطة ارتباطًا منطقيًا بشكل محكم. وقد جاء الكاتب بتقديم، بيَّن فيه أنه شغف بالإقبال على قراءة عدد كبير من كتب السيرة النبوية، قديمها وحديثها، ولا سيما بعدما كتب عن الرسوم المسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم، قبل أن يتصدى للرد على تهافت المتهافتين، وإساءات المسيئين، وتهم المبطلين. وهكذا كان هذا الحدث حافزًا للمؤلف من أجل أن ينهض إلى إبراز جوانب الرحمة في السيرة النبوية، وخاصة جانب الأمن والسلام والخلق العظيم والسلوك الحسن فيها.
وإذا لم يكن المؤلف قد سعى إلى استعراض شامل للسيرة النبوية العطرة، إلا أنه خصَّ المقال الأوَّل بأن قدَّم فيه مشاهد من حياة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، من المولد حتى الوفاة، حيث عرض إلى وضع العالم قبل البعثة النبوية. ثم قدم للقارئ في إيجاز صورة عن سيرة النبي صلى الله عليه وسلم في المرحلتين المكية والمدنية، فعرض لبعثته صلى الله عليه وسلم، ثم نسبه، ثم مولده، ثم رضاعته، ثم وفاة والدته ورعاية جدِّه وعمِّه، ثم سفره إلى الشام، وحرب الفجار وحلف الفضول، وزواجه من خديجة، وتجديد بناء الكعبة، وغار حراء، ونزول الوحي، وبدء الدعوة السرية، ومرحلة دار الأرقم، والابتلاء، والهجرة إلى الحبشة، وعام الحزن، والإسراء، وهكذا إلى الهجرة إلى المدينة، وقيام الدولة. والغزوات، إلى صلح الحديبية ثم فتح مكة، إلى غزوة تبوك، فوفاته صلى الله عليه وسلم.
فهذا المقال هو أطول المقالات، حيث يستغرق ثلث الكتاب تقريبًا، وكأن المؤلف جعل الغرض منه أن يقدم للقارئ ملخصًا لسيرته صلى الله عليه وسلم، موثقًا كلامه بالمصادر والمراجع. وهو يستفيد مما صنَّفه السابقون في الموضوع، مثل كتاب الشيخ أبي الحسن الندوي “ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين”.
وهكذا توالت المقالات، لتركِّز على شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم، وأخلاقه، ورحمته، باعتباره “المثل الأعلى للإنسان الكامل”، مركِّزًا على “مظاهر الرحمة في سيرته صلى الله عليه وسلم”، وذلك يرسخ مفهوم المثل الأعلى، حيث لا نهضة للأمة الإسلامية، ولا عزَّة لها، إلا إن هي اتخذت الرسول صلى الله عليه وسلم قدوة وأسوة وإمامًا. وإلا إن كانت في اتصال دائم بمحمد صلى الله عليه وسلم، واستحضاره روحًا، كما أراد الله تعالى، (واعلموا أن فيكم رسول الله)، وهو صلى الله عليه وسلم فينا ومعنا على الدوام، تعرض عليه أعمالنا. فلا نجاح للأمة ولا مخرج لها من أزماتها إلا باتباع سنته.
هذا، وقد استشهد المؤلف ببعض المفكرين المُنْصِفِين من أهل الغرب، ممن أشاد بالنبي صلى الله عليه وسلم، وبسلوك المسلمين المتصف بالاعتدال والوسطية والرحمة، في مقابل ما شهده تاريخ الغرب من مذابح ومآس ارتكبها الغرب في حق إخوانه أنفسهم، فضلاً عن تاريخه الأسود مع المسلمين.
وفي منهجية دقيقة عرض المؤلف بيبليوغرافيا صالحة عن السيرة النبوية، مما كتبه المسلمون والغربيون على السواء، تجاوزت المائة وخمسين كتابًا، وهذا فصل مفيد جدًّا، لمن أراد أن يكون على صلة بسيرة المصطفى عليه السلام.
هذا وقد انتهى المؤلف إلى آخر مقال في الكتاب وجعله بعنوان: “الحاجة إلى دراسة السيرة النبوية”، وكأنه خلاصة يلفت بها النظر إلى أهمية أن يقبل المسلمون على السيرة النبوية الشريفة، دراسة وفهمًا وتطبيقًا، فكأنه بذلك قد أدَّى الأمانة التي اضطلع بها وقام بها خير قيام.