ميثاق حقوق الإنسان
23 ديسمبر, 2021الإسلام هو الحلُّ الوحيد لكلّ المعضلات
20 فبراير, 2022هذا هو الطريق للنجاح
محمد الرابع الحسني الندوي
إن الطاقات الإنسانية إن تخلت عن الخضوع لسلطان الضمير والمروءة والشهامة، فهي فضلاً عن أن تؤدي دوراً في ميادين الخير والفضيلة والبناء، تصبح وبالاً على الإنسانية كلها، وعلى أصحابها كذلك، ولا تبقى لديهم إلا كأداة هدامة ووسيلة إلى التخريب والإفساد.
ومما يؤسف له أن كثيراً من المسلمين بوجه عام، وأن أكثر قادتهم وزعمائهم ممن لم يتربوا تربية صالحة طيبة في أحضان الإسلام، وفي بيئاته الراشدة،إنما يعيشون اليوم في عزلة عن الخضوع لسيطرة الضمير الحي والمروءة الصادقة اللذين كانا من أعظم خصائص أسلافهم عبر العصور، وقد بلغ بهم الضعف في هذا المجال إلى أنهم فقدوا الإيمان بماضيهم العظيم كذلك، والثقة بالطاقات المعنوية الهائلة التي تمتاز بها أجيالهم السابقة دون غيرهـم، والتاريخ الإنساني شاهد بذلك ومعجب به أي إعجاب، ويقدر له التقدير اللائق، إنه أصبحوا اليوم متغافلين عن هذه القوى الروحية، والمعنوية العظيمة التي قلبوا بها في السابق أعنف التيارات الجاهلية، وغيروا وجهة التاريخ، ومهدوا للعالم طريقًا سلكت عليه الشعوب والأمم، ونالت بالسير عليه كل فضيلة وخير.
ولم يكن عددهم في ذلك الحين عددًا كبيرًا لا في الإحصاء ولا في النسبة إلى الخصوم والأعداء، ولم تكن لديهم من الوسائل والمعدات الحربية والمادية ما يعجز عنها غيرهم، ولم تكن عندهم تجربة عميقة أو طويلة للنضال والكفاح، بل إنما كانوا أمة جديدة صغيرة خرجت إلى العالم دون أن يكون وراءها سابق عظيم، أو تاريخ كبير في المجال العملي المعروف .
ولكن القطب الذي كانوا يدورون حوله كان يختلف عن أي قطب آخر، والمنبع الذي كان يفور منه نبع قوتهم الصافي، كان أعظم منابع القوة والحياة، فقد كانت فيهم الحيوية الصادقة في أجل صورة وأجملها، وكان فيهم الوفاء للمبدء، والتفاني لهدفهم الجليل في أعظم صورة وجدت في العالم .
فلما ظهروا وخرجوا كانت وثبة نادرة للإنسان لم يعهد مثلها في ذاكرة التاريخ،بل كانت وثبة جبارة شاملة غيرت وجه التاريخ وكانت تجربة قلبت قانون الثورة والانقلاب.
لم يكن العالم يعرف من الانقلاب إلى ذلك الحين إلا أنه تغيير دولة بدولة، وتغيير حكومة بحكومة، وتحويل سلطان من أيد إلى أيد أخرى، ولكنه عرف من المسلمين لأول مرة في تاريخه أن الانقلاب قد يكون أشمل وأوسع مما جربه الناس وعرفوه سابقاً، إنه يكون في النفوس والقلوب، وفي النزعات والعقول، وإنه لا يسلب من المفتوحين شيئاً،بل إنما يعطيهم شيئًا كثيرًا، إنه لا يأتي لسلب، أو نهب ، بل لإصلاح الفاسد وإعطاء خير.
لقد خرج المسلمون عندما خرجوا بخير أخلاق وبخير خصال، ففتحوا القلوب، وفتحوا النفوس قبل أن يفتحوا الحكومات والبلاد، وقدموا نماذج من أروع ما يمكن أن يتصوره الإنسان في التاريخ، فهزوا العالم هزاً، وأحدثوا زلزالاً لم يعهد مثله منذ القديم، ومهدوا للركب الإنساني طريقاً واسعاً إلى الخير والفضيلة والسلام من سلك فيه فقد أحرزهما لانتصاره ونجاحه في الحياة في الدنيا و في الآخرة كذلك .
ولقد كان هذا الطريق، هو الطريق الوحيد للنجاة في كل عصر ومصر عندما يعم الظلام في كل جهة، وتخبط الإنسانية البائسة فيه خبط عشواء، وتتسكع في مهامه الحياة، وهو الطريق الذي كان ضماناً للمسلمين أيضاً في جميع عصورهم، كلما اتبعوه وسلكوا فيه نجوا وأحرزوا الانتصار والكرامة، وكلما حادوا عنه وقعوا في ذلة وخسران، وقع ذلك في الأندلس عندما دخلوا فيها، ووقع فيها عكس ذلك عند خروجهم منها، ووقع ذلك عند فتوح العجم والعـراق، و وقع عكسه عند ما لقوا القتل والإهانة في عروس بلادهم بغداد .
وهذا هو الطريق الذي لا مناص للمسلمين من اختياره إذا أرادوا الكرامة، فقد جربوا ذلك مراراً، وليس من المعقول أن يغفلوا عنه، وينخدعوا بتيارات عقلية جديدة، وأنظمة متطرفة أخرى مما لا يصادق عليه دينهم ولايتفق معه تاريخهم، ولا تقبله مثلهم ونظم حياتهم، فقد يجوز أن يشتهوا الجديد، وترغب نفوسهم إليه، ولكنه ليس من اللازم أن يجدوا في كل جديد الدواء والخير .
إن المسلمين اليوم في حاجة إلى دواء يشفيهم من هذه الأسقام التي تعرضوا لها منذ زمان، وفي حاجة إلى فضيلة وخير ينفيان عنهم هذا الهوان والذلة التي يلاقونها في كل مجال من الحياة المعاصرة، إنهم في حاجة إلى سابق قوتهم، وسابق عزهم، وسابق مهابتهم، إنهم في حاجة إلى سابق إيمانهم، وسابق ثقتهم، وسابق ثباتهم، وسابق جديتهم، وصرامتهم، فهم حقيقون بها ومحتاجون اليوم إلى اختيارها.