هنا صراطنا المستقيم

العاملون في مجال العمل الإسلامي
19 ديسمبر, 2019
لا عزة ….. إلاّ بالقرآن والتمسك بقيمه وتعاليمه
27 يناير, 2020

هنا صراطنا المستقيم

شهادة التاريخ الإنساني منذ وجوده، تؤكد أن الطريق الصحيح الطبيعي إنما قرَّره الله سبحانه للعالم البشري بأجمعه لكي يجعله المسار الواضح البيّن لكل فرد من أفراد البشر، ولجميع أعضاء الأسرة الإنسانية من بني آدم على امتداد التاريخ الذي كان مبدؤه منذ ظهور أفضل الخلق إلى ما يمتد وجوده في هذه الأرض بما فيها من الكائنات ذات أنواع وألوان، ولذلك فإن القدرة الربانية حينما عمرت هذا الكون الهائل من الإنسان ذي العقل والشعور بينت له”الصراط المستقيم” وأمرته باتباعه موليًا وجهه عن كل طريق أو سبيل آخر سواه: “وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ” [الأنعام:153].

لكن هذا الإنسان أخطأ في معرفة الصراط المستقيم منخدِعاً بالأفكار المعاكسة التي عبثت بعقله بوحي من عدوه الذي يتربص به الدوائر على حين غفلة منه، ويصرفه عن المنحى الصحيح الذي يعين له ذلك الصراط، وهنالك يفقد ذلك التميز الذي أحلَّه محل الأفضلية والشرف الإنساني، فكم من الناس يقعون فريسة لإغراءات هذا العدو اللدود، ويتناسون مكانتهم العالية التي قدرها لهم خالق السماوات والأرض، وذلك أمر منكر لا يرضاه الخلق الطبيعي، ولا الخالق العظيم الواحد الأوحد الله جل وعلا، فيكون كفوراً بنعمة الهداية التي أكرمه بها: “إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا” [الإنسان:3].

ومن خلال هذا الواقع نشأ في العالم البشري نوعان من الناس: جماعة الشاكرين، وفئات الكافرين، ووعد الله سبحانه للشاكرين من نعم الدنيا والآخرة ما لا يخطر ببال الكافرين الذين ينهبون الحياة كيفما أرادوا، ويزعمون أنهم أحرار للعيش في هذه الأرض، ليس عليهم حدٌّ ولا قيد، لقد صرح الله سبحانه بهذا النوع وبالجزاء الذي يلاقونه يوم القيامة، فقال: “وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا” [الزمر:71] ذلك لأنهم كانوا متكبرين فجزاؤهم ليس إلا بئس ما يتصور (عياذاً بالله تعالى) أما جماعة المتقين الشاكرين فليس لهم جزاء إلا الجنة “وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا” [الزمر:73].

يتمثل هذان النوعان من بني آدم منذ وجودهم،وتحقيقاً لهذا الهدف بعثت جماعات من  الأنبياء والمرسلين بين حين وآخر ممن بذلوا مجهودات بالغة في الدعوة إلى الخير الذي قبله الشاكرون، وهم جماعة واحدة لا ثانية لها، ولكن الكافرين توزعوا بين أحزاب وفئات ومسميات كثيرة، فتوزَّع الجنس البشري بين المسلم، وغير المسلم الذي انتشر في كل مكان بأسماء مختلفة،وذلك ما نشاهده في مختلف أنحاء العالم في جميع القارات في أشكال وصور لا يأتي عليها الحصر، وكلها تعيش تحت أولياء الدنيا الرخيصة في شقاق ونفاق، وسباق في كسب متاع حقير من الدنيا،وكان المسلم لثقته بربه الكريم في جميع شئون الحياة بين النوعين راضياً بما قدر له، واثقاً بالعمل الصالح، ومتمتعاً بالحلال الزكي الطاهر وعاملاً به في شؤون الحياة كلها، فكان من رعيل عباد الله الشاكرين، وأتت إليه مناصب القيادة والإمامة بين خلق الكون كله، وفي جميع شؤون الحياة والمجتمع، لأنه أدرك سر الحياة وجميع ما يحتاج إليه الإنسان في هذا العالم من وسائل وأسباب يثق بها في ضوء التعاليم السماوية في أداء الواجب الذي يتلخص في معرفة الخلق ومعرفة الخالق وبنائه لهذه الكائنات وتوفيره لجميع الحاجيات التي تتطلبها الحياة الإنسانية ويتطلع إليه العالم البشري.

ومن هنا يتمثل له الطريق الواضح نحو الصراط المستقيم: ذلك الذي أكده الله سبحانه في قوله: “وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فاتبعوه” [الأنعام:153] وقال على لسان المؤمن المسلم “اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ” [الفاتحة:6-7].

فما أحوجنا إلى هذا الصراط المستقيم في حياتنا المعاصرة وبين الحضارات التقليدية الخاسرة التي تحيط بنا من كل جانب.

(سعيد الأعظمي الندوي)

×