حياة الرسول صلى الله عليه وسلم تطبيق عملي للشريعة الإسلامية
20 أكتوبر, 2019التخلص من مركب النقص هو العامل الأساسي للتقدم والنهضة
18 ديسمبر, 2019هل يكفي الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم؟
نواجه ما نواجه من المحن، ونتعرَّض لما نتعرَّض له من المشاكل، ونصاب بما نصاب به من الآلام، ونقع فيما نقع فيه من العجز والاستكانة والذل والهوان،هو لأننا قطعنا صلتنا برسولنا محمد صلى الله عليه وسلم، وابتعدنا عنه وخالفنا أمره، وكل ما نقوم به من أعمال، وما نلفظه من كلمات، وما نتخذه من قرارات، يتعارض مع ما أمرنا به الرسول صلى الله عليه وسلم، ودعانا إليه وحثنا عليه، رغم أننا نحتفل بمولده صلى الله عليه وسلم كل سنة بغاية من الاهتمام، وبغاية من الحب والهيام، نضيء الطرقات، نقيم الحفلات، نجري المسابقات بين الطلاب في المدارس والكليات، ونوزِّع الجوائر بين الفائزين من المشاركين في هذه المسابقات التي تعودنا على إجرائها في شهر ربيعنا الأول حبًّا لنبينامحمد صلى الله عليه وسلم، وتذكارًا له وامتنانًا به.
لكن هنا سؤال هل تكفي هذه الزينات؟ وهل تكفي هذه الإضاءات؟ وهل يكفى توزيع هذه الجوائر؟ وهل يكفي إلقاء الخطب في هذه المناسبات؟ وهل يكفي تقديم الأبيات في مدح النبي صلى الله عليه وسلم؟ كلا ألف مرة كلا.
إن الكلام عن النبي صلى الله عليه وسلم لا يستطيع أن يؤدي حقه، ولا تستطيع الألسنة أن تكمل وصفه، ولا تستطيع الأقلام أن تعرف به كما هو شأنه، يذكر الإنسان أحواله ويذكر أخباره فلا يدري عما يتحدث وإلى ما يشير، إذا ذكر النبي صلى الله عليه وسلم نسيت النفوس همومها، والأجساد آلامها، والأرواح غمومها، والأذهان أفكارها.
من غرائب أمرنا أننا اعتقدنا أن تحقيق حب النبي يكون بالاحتفال بمولده في يوم واحد في العام كله، ومن الخطأ الفاحش الذي وقعنا فيه نتيجة لابتعادنا عن تعاليم نبينا صلى الله عليه وسلم أننا تصورنا حب النبي أموراً ظاهرية، وأموراً شكلية، رغم أن حبه صلى الله عليه وسلم لا يتحقق بالموالد والاحتفالات، ولا بتوزيع الهدايا والحلويات، ولا بالمظاهر والشكليات،إن محبته شعور قلبي، وهذا الشعور القلبي بحب النبي يجعله مقدما على النفوس، ومقدما على الأموال، ومقدماً على الأولاد، قال: وقال النبي صلى الله عليه وسلم: “لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين” (متفق عليه).
يدل هذا الحديث على حقيقة حب النبي صلى الله عليه وسلم ويدفعنا هذا الحب إلى الاهتداء بهديه والاقتفاء بأثره والسير على نهجه، ولابد من أن تظهر هذه المحبة في أقوالنا وأفعالنا وفي سائر أحوالنا.
وهناك سؤال آخر يتبادر إلى الأذهان متى ظهرت هذه الموالد والاحتفالات وهذه المواسم والأعياد؟ ومن بدأها؟ ومن دعا إليها؟، فيجيب عنه الشيخ محمد بن بخيت المطيعي رحمه الله، وكان مفتيا للديار المصرية سنة ألف وتسعمائة وخمسة عشر حتى سنة ألف وتسعمائة وعشرين، فيقول:
“مما أحدث وكثر عنه السؤال: الموالد، إن أول من أحدثها هم الخلفاء الفاطميون، أولهم المعز لدين الله حيث دخل القاهرة في عام ثلاث مائة واثنين وستين من الهجرة، فأنشأ ستة موالد، مولد النبي صلى الله عليه وسلم، مولد على رضي الله عنه، مولد فاطمة، مولد الحسن، ومولد الحسين، ومولد الخليفة الحاضر، وظل على ذلك حتى جاء الأفضل ابن أمير الجيوش سنة أربعمائة وسبعة وثمانين فمنع هذه الموالد كلها، وظل الأفضل على ذلك حتى قتل ليلة عيد الفطر سنة خمسمائة وخمسة عشرة من الهجرة، وظلت هذه الاحتفالات ممنوعة خلال تلك الفترة وكادت أن تنسي حتى جاء الآمر بأحكام الله سنة خمسمائة وأربع وعشرين فأعادها مرة أخرى وظلت بهذا الحال حتى يومنا هذا”.
تقول الوثائق التاريخية أن المعز لدين الله كان من أصل يهودي نسب نفسه إلى فاطمة الزهراء، ورفع شارة لنصرة أهل البيت، واتخذ من اليهود والنصارى وزراءه، وجعل مصر السنية تتحول إلى المذهب العبيدي القائم على الكفر بالوحي، واستحلال سب النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته وأمهات المؤمنين، ونشر التشيع واخترع كثيراً من الأعياد لصرف المصريين عن دينهم، وعطل الشرع ونشر الرفض في كل بقاع، احتفل بكل عيد رافضي كعيد الغدير وحادث كربلا، واستهدف الإسلام، وهدم منارات التوحيد بكل ما أوتى من القوة.
فلابد لنا أن نسأل قبل أن نفعل شيئاً من أحدثه؟ ومن اخترعه؟، هل فعله نبينا محمد صلى الله عليه وسلم؟، هل فعله الخلفاء الراشدون؟، هل فعله الصحابة الكرام؟، وهل نحن أحرص على الدين منهم؟، وعلينا أن لا ننخدع بمن يقولون إن هذه الاحتفالات دليل على حب النبي صلى الله عليه وسلم، إذا كان الأمر كذلك كان الصحابة أسرع الناس إليها، فالمحب الحقيقي للنبي صلى الله عليه وسلم هو الذي ينظر إلى أقواله وإلى أفعاله وإلى أوامره وإلى تعاليمه وإلى آثاره، ويسير على نهجه ويستن بسنته، ويفعل ما يأمره به صلى الله عليه وسلم.
جعفر مسعود الحسني الندوي