هل المعاصي تجلب المآسي

الإسلام دين يسر وقصد
2 يناير, 2018
كلمة الرائد
8 فبراير, 2018

هل المعاصي تجلب المآسي

بسم الله الرحمن الرحيم

هل المعاصي تجلب  المآسي؟!

إن ما يجري اليوم في سوريا والعراق بوجه خاص يجرح قلب كل إنسان عادل ويدمع عيونه بدموع غزيرة،وقد كان المسلمون في كل عصر وبيئة يتميزون بالرحمة والعدل والتسامح والنصح، وقد جاء في الأثر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” الراحمون يرحمهم الرحمن، إرحموا من في الأرض، يرحمكم من السماء” فكان الرحم والعطف ميزة إنسانية أساسية، والصفح والعفو من صفات الأخلاق السامية التي وصف بها الله سبحانه نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم فقال: “وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ” [القلم:4] وقد تمثَّل هذا الخلق العظيم في كل قول وعمل صدر من الرسول صلى الله عليه وسلم حث إن الغزوات التي قام بها لم تكن إلا مثالاً للرحمة التي أرادها الله سبحانه للإنسان، وصده عن الظلم ضد أي خلق أو كائن.

كم تمنينا نهاية تصفية العباد والبلاد من كل قسوة وقصف ونسف، وقتل وفتك، يستمر في بعض الدول المسلمة وفي العراق والشام بالضبط، ولكن الأخبار الآتية من هاتيك البلاد، تجدد القروح، وتثبط الهمم، وتكذب الثقة بالأمن والسلام فيها، ويستمر تبادل الاتهامات بين جانب و جانب وبين الفصائل والمليشيات، وبين النظام والمعارضة، وبين الإرهاب والحصار، وأصبح الإنسان وقود نيران المعارك والفساد بجميع أنواعه، ولم يعد لديه ما يؤمن حياته من أضرار وخسائر بأي لون يكون، ولم يبق له ملجأ يلجأ إليه فيما إذا كان يبحث عن ملجأ يأوي إليه من الأحداث والمآسي التي تفاجئه من غير مرصد، وتسد عليه كل طريق للخروج منها بسهولة أو سلامة،و لا يحدث مثل هذا الوضع المؤسف إلا إذا فقد المرء وسيلة اللجوء إلى العقيدة والإيمان أيضاً، وظل يعيش من غير مأمن بعيداً عن الإيمان بالقوة التي تفرج كل كربة إذا صحَّ التوكل عليها والإيمان بها، من غير شك أو ارتياب في غنائها، لدى كل مشكلة أو مصيبة، ولا يخطر على باله أن هناك مخرجاً منها يتولاه رب السموات والأرض ويكفيه في كل محنة وبلاء إذا كان اليقين يملأ قلبه بأن لا ملجأ إلا إليه ولا مخرج إلا منه، ويؤمن من أعماق قلبه بأن ” ومن يتوكل على الله فهو حسبه” أصدق كلام لن يتغير ولن يجد القِدم والضعف إليه سبيلاً، إنه قول رب العالمين وبشارة منه سرمدية دائمة خالدة، فكل من توكل عليه حق التوكل وعمر قلبه بالإيمان الراسخ بالله الواحد القهار، لم يخسر النصر من عنده، ولم يؤثر عليه الكفر والمراودات الشيطانية في أي حال.

أما إذا ضعفت الثقة بالدين وتزعزع اليقين في القلب وتغلغل الوهن في النفس واحتلت محبة الدنيا فيها وطفق الإنسان المسلم يكره أن يذكر عنده الموت، فلاشك أنه يصاب بأشد ما يمكن من المصائب والآفات التي تضيق عليه الخناق، ويواجه من المحن والشدائد ما لا طاقة له به، فلو استعرضنا قليلاً من الظروف المضادة التي يعيشها أبناء الدول المسلمة العديدة مثل ما بدئت به هذه الكلمة القصيرة، فلا ريب أن خسائر الأرواح والأملاك تكون فوق كل قياس،وإن عدد الفاقدين لأهلهم وأبنائهم يزيد الملايين، وعدد أولئك البؤساء والأشقياء الذين فقدوا بعض أعضاء البدن مثل الأيدي والأرجل وقوة البصر والسمع،وأصبحوا عائقين وعاجزين عن حاجاتهم يبلغ أكثر من مليون ونصف مليون كما تحدث عن ذلك جريدة “الشرق الأوسط” الدولية، فقد جاء في عددها الصادر يوم 6/ من شهر يناير 2018م رقم العدد (14284):

“ذكرت منظمة الصحة العالمية والمنظمة الدولية للأشخاص ذوي الإعاقة، في تقريرها السنوي الصادر بتاريخ 13/ديسمبر 2017م: أن هناك ثلاثين ألف مصاب كل شهر بسبب الحرب في سوريا، وإن الحرب خلفت مليوناً ونصف المليون مصاباً بإعاقة دائمة، وبحسب التقرير يعيش 1.5/ مليون شخص مع إعاقات مستديمة منهم 86 ألف شخص أفضت إصابتهم إلى بتر أطرافهم”.

هذه خسائر الأرواح والأشخاص وهي كمية هائلة تقديرية فقط، إلا أن الحقيقة تكون أكثر بكثير رغم العدد الضخم من أهالي البلاد المهاجرين إلى جهات مختلفة ربما تكون أضعاف العدد المذكور، (ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم).

إن المسلمين في كل مكان متألمون من هذا الواقع المشئوم، ومسئولون كذلك عن التفكير فيه، وتناديهم الأسباب التي أدت إلى هذه النتائج الوخيمة التي تبكى أهل الغيرة الإيمانية وتدعوهم للإنابة إلى الله تعالى والدعاء الخالص للمصابين والهالكين، بأن يرحمهم الله سبحانه ويعفو عن كل ما صدر منهم ومنا من الأخطاء والمعاصي، وأن يوفق الإنسان مهما كان، إلى إدراك حقيقة هذا الواقع الأليم، واستدراك ما فاتنا نحن المسلمين من الانصياع والطاعة لله تعالى، والإنابة إليه والاتصال به بصفة مباشرة، وطلب النجدة والعون منه في جميع الأحوال والأزمنة، وذلك بالتقوى والصبر “وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا” [الطلاق:2]، “مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ” [يوسف:90].

سعيد الأعظمي الندوي

 

 

×