من التبعية إلى الذاتية

ذكرى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشهر الربيع
15 ديسمبر, 2017
المسلمون أمام خطرين
26 يناير, 2018

من التبعية إلى الذاتية

من التبعية إلى الذاتية

ينحصر الفوز في الأهداف والمقاصد التي يضعها الإنسان نصب عينيه، على ثلاثة عناصر: صلاحيته لفقه ما يحدث في حياته وحياة غيره، وحتى في التاريخ، وتحليله للأحداث والمحركات، وعلى فكره في اتخاذ موقفه ومناهج العمل والتجارب لنفسه ولمن يعتبره أسوة له، ثم العمل وفق فكره وفقهه، وقد وردت هذه الكلمات في القرآن الكريم في مواضع كثيرة، كما ورد في وصف الرسول صلى الله عليه وسلم: “كان دائم الفكرة، طويل الصمت”.

والفكر هو الذي يحمل الإنسان على العمل لحل مسائله ومشاكله وتحسين حياته، ولذلك جعل العلامة ابن خلدون الفكر الفارق بين الإنسان وغيره من المخلوقات، وباستخدام وسيلة الفكر تقدمت أمم، وبانعدامه تأخرت أمم.

وقد استخدم القرآن الكريم بجانب الفقه والفكر كلمة التفقه فقال “فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ” [التوبة:122]. والتفقه هو تزويد الفقه بالفكر وتنمية عنصر الفقه،وفي تاريخ الأمم نجد أمثلة لتأثير هذه العناصر، فباختيار هذه العناصر الثلاثة تقدمت أمم كانت غارقة في الجمود والخمول،وإن الجمود يؤدي إلى التقهقر والتراجع.

قد كانت الدول الغربية في عهد الظلام عندما فرضت الكنيسة الحظر على العلم والفكر، وفرضت القفل على العقل والفقه، ثم كانت النهضة عندما فكرت في أسباب التخلف وفكرت في وسائل التخلص من آيات الجمود كما فكرت في أسباب خيبتها في الحصول على الغلبة، فأحرزت تقدماً هائلاً في مختلف مجالات الحياة وحصلت لها الغلبة والسيادة.

وعندما فقد المسلمون هذه العناصر الثلاثة تخلفوا وتعقدت قضاياهم بل تزداد تعقُّداً ومن أسباب تخلفهم هو عدم فهم أو فقه أسباب حيرتهم واستمرار قضاياهم وفهم أسبابها ومصدرها، والعنصر الثاني هو الفكر في التخلص من هذه الأوضاع، ودراستهم الواقعية لها والبحث عن الوسائل للخروج منها. وقد أدى هذا الوضع إلى رؤية الأزمات والقضايا برؤيه غيرهم أي بمنظارهم في السبب.

وكان لا بد من التأمل في هذه القضايا ثم الفكر في الوسائل للتخلص منها على أساس فكرهم الخالص ورؤيتهم الذاتية غير المستوردة والاجتهاد للخروج من المأزق الذي وقعوا فيه.

إن العالم الإسلامي كله أصبح مرة أخرى عرضة لذلك، وقد كان في السابق في سيطرة الأفكار الغربية التي اتخذت سائر الوسائل لسلب وسائل القوة والاعتماد على الذات والجوهر للأمة الإسلامية،وقد شنت حملة علمية وفكرية، فنشأت في ظل تربية الاستعمار الغربي أجيال ورثت هذا الفكر وبقيت آثار النظم التي خلفها الاستعمار لسلب صلاحية الفقه والفكر والعمل حسب خصائص هذه الأمة وما قدمته في تاريخها المجيد، ومن أجل ذلك فرضت القيود على الذين كانوا يحملون صلاحيات الفقه والفكر والقيادة إلى إصلاح الظروف والتخلص من المسائل التي ورثتها هذه الأمة منذ وقوعها في حكم الاستعمار.

إن غياب هذه الطبقة من المفكرين والمصلحين والمجتهدين والدعاة في العالم الإسلامي هو السبب الرئيس للأزمات التي يواجهها المسلمون في بلدانهم، وتدل دراسة التاريخ المعاصر على أن غياب الفكر والعمل وصلاحية فهم الأسباب والمشاكل وإدراك الوسائل للتغلب عليها سبب تعقُّد المشاكل للمسلمين في العالم كله ولا يمكن التغلب على الوضع إلا بتحمُّل أصحاب الفكر الذاتي والفهم الأصيل غير المستورد، وإن فيهم فرصة الإصلاح والقيادة.

من مأساة العالم الإسلامي إن الذين تولوا الحكم اعتبروا الطبقة التي تسعى لإصلاح الوضع من الدعاة والعاملين لإعادة المسلمين عامة إلى الإيمان والعمل الصالح،خطراً لهم، فهم يسعون لإقصائهم أو فرض الحظر على نشاطهم، وعلى الأنشطة التي تعيد الأمة إلى دينها وشخصيتها الإسلامية، وهذه الطبقة هي المسئولة عن الاضطراب والقلق في العالم الإسلامي.

محمد واضح رشيد الحسني الندوي

×